المناظرات.. (3)
مناظرة الخروبي والبسيثني والهبطي وما عقب به اليوسي عليها
والحقُّ أن جنس الاله المعبود بحق، غيرُ جنس الإله المعبود بالباطل. إذ كل واحد مُميَّز بجدِّه محتوٍ على أفراده.
ولما قال الهبطي ما ذُكِر ردَّ عليه اليسيثَني وشنَّع عليه الناس تشنيعا عظيما في قوله إن معبودات الكفار لا دخل لها في النفي ثم وصلت المسألة إلى السلطان وهو محمد الشيخ السعدي فبعث إلى الهبطي وعقَد بفاس مجلسا للمناظرة لكنَّ الهبطي لم يشأ أن يدخل فيها فانفصلُوا على غيره طائل ولم تزل المسألة متَار نزاع شديد بين الطلبة والمؤلفين في التوحيد حتى تادت إلى العصر العلوي فتصدَّى لها أبو علي اليوسي وبسطها بما لا مزيدَ عليه من البيان في كتابه القيم “مَنَاهج الخلاص من كلمة الإخلاص” ونحن نقتَضبُ من كلامه جُمَلا نُقرِّر بها معنى ما تقدم، فإنه قال بعد هذا الكلام: وإذ قد تعرَّضنا لكلام هؤلاء الأئِمة فلا بد أن نتصَفَّحه بعض التصفح ونشير إلى ما عند كل واحد في كلامه مما لابد من الإشارة إليه والتنبيه عليه مُعْطياً إن شاء الله كلَّ ذي حق حقه، ومعطيا أيضا الحقَّ حقه؛ فإن لحوم العلماء مسمومة، والصَّدع بالحق سُنَّة معلومة. ثم قال:
أما كلام الخروبي فموضع الاعتراض منه هو قوله أن النفي لا يتناول إلا ما ادَّعاه المشركون من آلهة سوى الله تعالى؛ فإنه يظهر أنه أراد الآلهة الخارجيَّة عند المشركين من حجر وشجر وفلك ونحو ذلك فاعترض عليه اليسيثني بان هذه الخارجية جزئياتٌ ومدخولٌ لا يجب أن يكون كلِّياً إلى آخر كلامه. واعترض عليه الهبطي بأن تلك الآلهة الخارجية موجودة فلم يصحَّ نفيها فإن نفي الموجود كذب. وهذا مبنيٌّ على أن المراد من قوله ما ادعاه المشركون مَصدُوقُه الخارجي وليس هذا بواجب أن يُراد ، ولا بد أن تعلم أنه من الأشياء الضرورية ..
يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..
عن كتاب النبوغ المغربي في الأدب العربي لمؤلفه العلامة عبد الله كنون الجزء الأول الطبعة الثانية دار الثقافة ص: 368-369.
أرسل تعليق