المناظرات.. (2)
مناظرة الخروبي والبسيثني والهبطي وما عقب به اليوسي عليها
كتب أبو عبد الله الخرُّوبي الطرَابُلْسِي رسالة إلى أهل فاس يتكلم فيها على القواعد الخمس فجاء فيها قوله أثناء الكلام على القاعدة الأولى وهي لا إله إلا الله: “ومن الأدب أن لا يتناول نفْيُك عن النطق بحرف النفي إلا ما ادَّعاه المشركون من الآهة سوى الله تعالى، وليكن الحق جل جلاله ثابتا عندك في حالة النفي والإثبات. وإلى هذا أشار بعضُ العلماء حيث قال: النَّفْيُ لما يستحيل كَوْنُهُ والإثباتُ لما يستحيل عدَمُهُ فَنَقِمَ الناس عليه هذه العبارةَ لما يلزم عليها من الكذب في الخبر الإلهي، وكان اليَسيثَني مفتي الحضرة يومئذ فكتب عليه يقول: إن ذلك لا يصح من أوجه، الأول أنه يخالف ما اتفق عليه النُّحاة والمتكلمون من أن الإله المراد به الجنس والحقيقة ولا يبني مع لا إلا إذا كان كذلك فهو كُلِّي ولا شيء مما ادعاه المشركون بكُلِّي، إذا ما يدعونه ويعبدونه جزئيات خارجية مُتشخِّصة، الثاني أنه لو كان كذلك لكان الاستثناء منقطعا ولا قائِل به والأصل في الاستثناء الاتصال. الثالث أنه ليس فيما ادعاه كبيرُ أدب بل الأدب أن يكون النفي شاملا لوجود كل إلهٍ يُقدَّ سوى الحق سبحانه على ما قاله النحاة أو للماهية لا بقيد على ما قاله المتكلمون كما هو معروف في بحثهم مع النحاة حيث يُقيِّدون بالوجود. الرابع أن في كلاما تناقضا حيث نقل عن بعض العلماء أن النفي لمن يستحيل كونه، والإثبات لمن يستحيل عدمُه؛ فإن من تستحيل كونه مفهومه كُلِّي لا يُحْصَرُ فيما ادعاه المشركون فإن سُلِّم هذا الكلام لزِمَهُ التناقض. وما قاله هذا العالم هو الحق الذي لا شك فيه.
وقد اعترض الهبْطِي كلاهما معا فقال في بيان وجه المُواخذة على الخروبي: إنه سلَّط النفي على ما ادَّعاه المشركون، وما ادَّعاه المشركون ثابت موجود لا يتناوله النفي بالكلية، وقال في وجه المواخذة على اليَسيثَني مخاطبا له: إنكم تعَقَّبتُم على الخروبي قَصْر النفي على ما ادعاه المشركون فقط حتى إنه لو ادخله في جنس الإله لِيُعُمَّ لكان مُسلَّماً عندكم..
يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..
عن كتاب النبوغ المغربي في الأدب العربي لمؤلفه العلامة عبد الله كنون الجزء الأول الطبعة الثانية دار الثقافة ص: 367-368.
أرسل تعليق