العلامة المختار السوسي من خلال دعوة الحق.. (13)
خاتمة:
لعل أفضل ما يمكن أن نوجز به الشخصية الفذة لمحمد المختار السوسي تغمده الله برحمته الواسعة، هو عبر عنه نجله رضى الله عبد الوافي في مقاله المعنون ب “المجموعة الإلغية في الآداب والآثار“[1] حيث يقول: إن المتتبع والمستعرض لمسار حياة العلامة محمد المختار السوسي رحمه الله، يلفت نظره أنها كانت تدور حول اكتساب العلم ونشره وتربية النشء وتلقينهم والمساهمة في تحرير الوطن وبنائه، ويمكن لنا أن نقسم مسار هذه الحياة إلى أربع مراحل: مرحلة الدراسة والكسب والتزود بالعلم، انطلاقا من سوس إلى مراكش وأحوازها، ثم الانتقال إلى فاس والرباط، والمرحلة الثانية بعد أن توقف عن الأخذ والتحصيل وقرر الإفادة مما تعلمه وأسس مدرسته بزاوية والده بمراكش بعد اقتناعه بأن السبيل الوحيد للخروج من التخلف والانحطاط هو التوجه إلى الاهتمام بالقطاع التعليمي والتربية التي يعتبرها نضالا ضد المستعمر، هذا الأخير الذي تضايق من الأسلوب، الذي اتبعه وقرر نفيه والرجوع به إلى مسقط رأسه إلغ، وهنا تأتي المرحلة الثالثة من حياته هذه المرحلة، التي دامت تسع سنوات قضاها بمنفاه بقريته، إلا أن الأقدار شاءت أن تكون في طي هذه النقمة نعمة، حيث وجد الفرصة سانحة وهو في عزلته أن يعمل على إحياء ماضي سوس والعمل على إعادة ذاكرته بالبحث والتنقيب وجمع مواد عديدة ومتنوعة وتوظيفها في عدد كبير من المجلدات، أثرت المكتبة المغربية وجعلته يتبوأ مكانة مرموقة في صفوف كبار الكتاب، وبعد إطلاق سراحه من منفاه ابتدأت المرحلة الرابعة الممتدة إلى وفاته رحمه الله، والتي تخللتها محطات عديدة فبعد عودته من منفاه إلى حمرائه اشتغل بالتدريس في بعض مساجدها ثم انتقل إلى السكن بالبيضاء. وبعد تفاقم الأزمة مع الاستعمار عمد هذا الأخير إلى نفيه مرة أخرى إلى تنجداد وأغبالو نكردوس وبعد مرور سنة ونصف وبعد إطلاق سراحه رجع إلى بيته بالبيضاء منكمشا فيها مع مزاولة إعداد مخطوطاته إلى أن حل فجر الاستقلال وعمد إلى طبع بعض مؤلفاته مع المشاركة في بناء المغرب بعد استقلاله والعمل بوطنية صادقة بجانب محرر البلاد، الذي نال حظوته وعينه وزيرا للأحباس ثم وزيرا للتاج مع تعيينه أيضا قاضيا للقصر إلى حين وفاته رحمه الله زوال 17 نونبر 1963م.
وفي مسك الختام أورد أبياتا شعرية منتقاة من القصيدة الرائعة “الهلاك ولا الجهل”[2] للمرحوم العلامة محمد المختار السوسي التي يعرض فيها ما يسببه الجهل في الأمم من التخلف والضياع، بل وفضل الهلاك على الجهل:
حــتى متى شعــــبي يعبــــــده الجـهل كأن لم يـــكن قطــب السيادة مـن قـبل
أجـــــل إنــنا كـــــــنا وكـــنـــا هـــــــكـذا يقول لسان العلم مـــــن قــوله الــــقول
لتسقط عــلى الأرض السـماوات ولتقـم فكم لوعة تـــــذكو وكــــم زفـــــرة تعــلو
ولكــــــن إذا ألقيــــت يــــومـــــــك نـظرة قيامة شعــــبي فالهــــلاك ولا الجــهـل
———————————-
1. يومية التجديد، عدد 31 مارس 2008.
2. المصمودي، محمد الأمري، “في شعرنا المعاصر -4-“، دعوة الحق. العدد: 20.
أرسل تعليق