المال وتنظيمه من وجهة النظر الإسلامية
المال عصب الحياة والدرع الواقي من آفة الفقر والاحتياج، وبه تتم السعادة في الدنيا، وبواسطته وبما يكون عن طريقه من صدقات وفعل الخيرات ينال الشخص رضى الرب وحسن جزائه، وصف الله زينة الحياة الدنيا بتوفر عنصرين هما المال والبنون. فقال عز من قائل: “المال والبنون زينة الحياة الدنيا” [سورة الكهف، جزء من الآية: 46]. حددت الشريعة الإسلامية أوجه المعاملة بالمال وسبل توفيره ووسائل إنفاقه، وفرقت بين أوجه تدبيره ووسائل تبذيره. فالتدبير يتناول كل السبل المشروعة التي لا شائبة فيها للتحريم كالربا والتعدي على حقوق الناس وأكل أموالهم بالباطل والسرقة والتحايل. ويتلخص تدبير المال في قوله تعالى: “وأحل الله البيع وحرم الربا” [سورة البقرة، جزء من الآية: 275]، فالبيع والشراء والتجارة الحلال بكل أنواعها الكثيرة العريضة هي الطريق إلى كسب المال بالحلال، فيزداد وينمو بإعطاء حق الله فيه. وأما الربا والتجارة في المحرمات والإمساك عن الإنفاق في سبيل الله ومنع الزكاة على مستحقيها والتوصل إلى جمع الثروة من كل طريق كالغش والقمار ونحوه فتلك عوامل لتخريب الاقتصاد والقضاء على الثروات، وإشاعة الفساد بين طبقات المجتمع.
إن المال في نظر الإسلام هو ملك لله. وأن الإنسان نائب في الإشراف عنه فلا يجمل بالإنسان أن يعصي ربه فيما استودعه إياه. فالله هو مالك السماوات والأرض وهو الذي يرزق جميع الناس وهم مكلفون بالإنفاق مما رزقهم الله واستخلفهم عليه أمرهم بالإنفاق من الطيبات: “يا أيها الذين ءامنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم و مما أخرجنا لكم من الاَرض” [سورة البقرة، جزء من الآية: 267]، وفي قوله سبحانه: “لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم” [سورة اَل عمران، الآية: 92]، وقوله تعالى: “من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون” [ سورة البقرة، الآية: 245]، فأي تلطف من الله في هذا التعبير يجعل الإنسان بمثابة الإقراض لله. وإنما يقترض المحتاج والله غني عن العالمين. وإنما جاء التعبير بهذه الصورة نيابة عن الفقراء والمحتاجين ودفاعا عنهم وما قيمة امرئ يبخل بإقراض بعض المال لواهبه الذي سيرده حتما أضعافا مضاعفة. ومن الكلام المأثور عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: “من أتاه الله منكم مالا فليصل به القرابة، وليحسن فيه الضيافة وليفك فيه العاني والأسير وابن السبيل والمساكين والفقراء والمجاهدين وليصبر فيه على النائبة فإن بهذه الخصال ينال كرم الدنيا وشرف الآخرة” [روضة العقلاء لابن حبان].
إن من أجود الجود من جاد بماله وصان نفسه عن مال غيره، ومن جاد ساد كما أن من بخل رذل. والجود حارس الأعراض كما أن العفو زكاة العقل. والجود الكامل هو الذي يتعرى عن المنة. وأما إذا كان مع الامتنان به انقلب إلى استهجان صاحبه.
المال ليس للتبذير بل للتدبير والإنماء وتحقيق المشاريع التي تعود بالنفع على الشخص في نفسه وفي مجتمعه. وعلى الإنسانية جمعاء ولحفظ الأموال نهى القرآن عن التبذير والإسراف في الأموال وإنفاقها في غير مواضعها؛ لأن مآل الإسراف هو إعلان الإفلاس ولهذا شبه الله المسرفين بالشياطين فقال سبحانه: “ولا تبذر تبذيرا اِن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا” [سورة الإسراء، الآيتان: 26-27] وفي مقابل ذلك أيضا نهى عن الشح والغلو فيه بقوله تعالى: “ولا تجعل يدك مغلولة اِلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا” [سورة الإسراء، الآية: 29]. علل الله الإسراف في الإنفاق بأنه يجعل صاحبه ملوما مذموما عند الناس محتاجا إلى معونة غيره. ولا معنى للأفراد هنا بل والأمم كذلك فإن ما يصدق على الفرد يصدق على الأمة أيضا. ولهذا فخير الأمور الوسط، لا إسراف ولا تقتير ولا كرم زائدا على الحد ولا شح ولا بخل أكثر من المباح.
وهناك قاعدة هامة في التشريع المالي في الإسلام وهي التحجير على السفهاء أي الذين لا يحسنون التصرف في المال الخاص أو العام فقال تعالى: “ولا توتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا” [سورة النساء، الآية: 5]. فالآية نهت المسلمين أن يطلقوا أيدي السفهاء “يعني المسرفين المبذرين” في الأموال يبعثرونها ولا يحسنون التصرف فيها وهنا لابد من الإشارة إلى التعبير القرآني في قوله تعالى: “ولا توتوا السفهاء أموالكم” [سورة النساء، جزء من الآية: 5] ولم يقل أموالهم؛ لأن مال السفيه هو في نفس الوقت مال الأمة فيجب المحافظة عليه وعدم إعطائه للسفيه الذي سيبدده ويصبح فقيرا، فالتضامن الاجتماعي يقضي بأن مال السفيه هو مال المسلمين. ولذلك أمر الله بإطعامه وإرزاقه وكسوته منه دون إعطائه حق التصرف فيه إلى أن يقع التيقن من رشده تماما.
ونهى عن القمار، وهو الميسر الذي ذكره الله في القرآن. فكل ما يتراهن فيه الناس من معاملة فيها خطر الكسب المطلق أو الخسارة المطلقة يعد قمارا أو ميسرا. والقمار يصد المقامرين عن الطريق المستقيم لكسب العيش ويعوّد صاحبه على الكسل وانتظار الربح من غير عمل بل بناء على وهم الاستيلاء على مال الغير من غير تعب وترك الأعمال المفيدة كالزراعة والتجارة والصناعة التي هي طريق ترقي الأمم.
والقمار بعد هذا وذاك نتيجته تخريب البيوت. وهذا ملاحظ ومشاهد عند الجميع ويدخل في باب المقامرة والتلاعب في المكاييل والأوزان. فقد نهى الله سبحانه وتعالى عن التطفيف في الكيل والميزان فقال عز من قائل: “ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين” [سورة المطففين، الآيات: من 1 إلى 6] وهذه بلية عمت في ميدان التجارة يجب الوقوف عندها وعقاب الذين يرتكبون الغش في الموازين والمكاييل وهي عمل متعلق بوظيفة الحسبة في الإسلام وربما كان القسم الاقتصادي أو مصلحة قمع الغش تنوب عن المحتسب؛ لأن عملها جزء من مهام المحتسب.
هذه جملة أمور اعتنى الإسلام بها لتنظيم الحياة الاجتماعية للناس فالأخذ بها واجب ديني والمسؤول الأول في العمل بما هو الشخص المؤمن نفسه؛ لأنه هو الذي سيحاسب على أفعاله.. ونسأل الله الهداية إلى الطريق المستقيم.
أرسل تعليق