اللغة العربية أم الساميات
أما الكلدانيون (الأراميون) فيرجع أصلهم إلى شواطئ الخليج العربي جنوبي العراق، وقد أسسوا رابع إمبراطورية سامية دامت 73 سنة بعد سقوط نَينوى، وسميت سلالة بابل الحادية عشرة، وكان لهم ضلع في تقوية علم الفلك.. وهم أول من جزأ الواحد الصحيح إلى ستين وقسموا اليوم إلى 24 ساعة والساعة إلى ستين دقيقة والدقيقة إلى ستين ثانية، ووضعوا أول التقاويم الفلكية العلمية، وعنهم أخذ فيثاغوراس كما برعوا في فن التطريز ورسم الصور عليه.
وأعظم ملوكهم نبو خنتصر (605-562 ق. م) الذي قضا على مملكة يهودا، وسبى اليهود إلى بابل، وفي هذا العصر بالذات بدأ التأثير العربي على بابل وما وراءها[1].
والكنعانيون العرب هم مخترعو الحروف الهجائية الألفبائية وعنهم نقلها الفينقيون ثم اقتبسها من هؤلاء منذ منتصف القرن الميلادي الإغريقيون واللاتين.. وكتابات اللهجة الكنعانية القديمة هي حلقات الوصل بين الهيروغليفية (المكونة من خمسمائة صورة تكتب من الجهات الأربع) وبين المسمارية والأبجدية والسينائية وهذه الأبجدية هي التي تفرعت عنها أبجديات منها الفينيقية والقرطاجية والبونية والليبية والأرامية والنبطية والعبرية.. ويندرج الشمال الإفريقي في هذه المجموعة العربية لأن اللغة البونية langue punique هي اللهجة الدارجة إلى اليوم في المغرب العربي. وقد عثر على رخامة في البرازيل تحمل تاريخ 125 ق. م أشار إليها الدكتور البرازيلي اديلونيتوا وضمنها كتابة الأنطروبولوجية[2] وهي مكتوبة باللغة البونية التي قورنت مع ترجمتها العربية فلوحظ أنها لا تختلف عن لهجة تونس خاصة ودارجة إفريقيا الشمالية عامة، وعندما دخل الموسويون أرض كنعان وجدوا قبيلة كنعانية يتزعمها نبي كنعاني يدعى بلعام، ينشر فكرة التوحيد ويتمتع بمكانة روحية سامية[3].
وقد ألف مارينوس الصوري -Marinus of tyre- كتابا في الجغرافيا ووضع خارطة للعالم عام 120 للميلاد كانت تستند إلى معلومات جغرافية فينيقية. ويرى رولنسون[4] أنه كان أول كاتب في الجغرافيا اتخذ الطريقة العلمية الرياضية في صنع الخرائط المستندة إلى خطوط الطول والعرض وعليه ارتكز بطليموس:
“وكان القرطاجيون مثل الفينيقيين يعرفون بالكنعانين”[5].
وآخر من هاجر من الجزيرة العربية الأنباط وهم قبائل بدوية انتشرت منذ القرن السادس قبل الميلاد شرقي مملكة الأردن الحالية واقتبسوا من الأراميين ثقافتهم وتأثروا بلغتهم حتى غلبت الأرامية عليهم ولهجتهم هي التي تطورت منها لغة القرآن كما أن خطهم هو خط كتابة الوحي وهو القلم النبطي المقتبس من القلم الأرامي القديم.
وهكذا يمكن القول بأن الساميين عرب ولغتهم التي هي اللغة الأم اللغة العربية والنصوص كلها مجمعة على هذه الحقبة، أما العبرية فهي لهجة سامية متأخرة.
وقد تأكد من جهة أخرى أن اليهود هم بقايا يهودا الذين نقلهم نبو خنتصر إلى بابل قبل الميلاد بستة قرون، وقد تكلم الموسويون في الأصول الهيروغليفية التي دونت بها شريعة موسى ووصياه العشر؛ لأنها كانت لغة بلاط فرعون حيث تربى موسى. ولم يعثر لحد الآن على أي أثر لهذه الشريعة الموسوية الأصيلة؛ لأن التوراة المتداولة اليوم ليست سوى ترجمة عبرية مشوهة مقتبسة من الأرامية يرجع تاريخ هذه التوراة اليهودية التي لا علاقة لها بتوراة موسى إلى عهد الأسر البابلي بعد ظهور موسى بثمانمائة سنة على أن يونس أرسل إلى مائة ألف أو يزيدون من أهل نينوى في القرن التاسع قبل الميلاد فكان ذلك انطلاقة أولى للموسوية في أرض الأشوريين.
ويرى العالم اليهودي سيلفر[6] في كتابه “موسى والثوراة الأصلية” أن الثوراة الحالية لا تمثل توراة موسى وحتى الوصايا العشر التي يكاد يجمع العلماء أنها الشيء الوحيد المتبقي من الثوراة الأصلية لم يكن بكاملها وعلى هيئتها الحالية كالتي أتى بها موسى.
وظاهرة التشويه في هذه التوراة المزيفة اشتمالها على شرائع وتقاليد وطقوس دينية مقتبسة من الشرائع الكنعانية والبابلية وخاصة شريعة حمورابي كما أبرز ذلك البروفسور (ووتر من) استنادا إلى تحقيقات أركيولوجية على أن مزامير داود نفسها مشوهة وكذلك كل ما ورد في العهد القديم لغلبة الطابع الكنعاني العربي عليه حتى من حيث اللغة إذا لم تترجم إلى العبرية مدرجة في التوراة إلا في عصور لاحقة، فاللغة العبرية لم تكن إذن من أصول اللهجات السامية بل ليست هي نفسها سوى اقتباس من الآرامية حفظت لنا كثيرا من مظاهر الحضارة الكنعانية العربية.
وقد أكد الكاتب الفرنسي جان لوي برنار J.L.Benrnard أن الأحبار عبرنوا كل ما اقتبسواه من تواريخ الأقطار التي جاسوا خلالها ومنها سليمان الذي لم يكن يهوديا وإنما كان أشوريا وهو( شلما نصر) ولو كان سليمان يهوديا لاستحالت كما يؤكد برنار الصداقة مع ملكة سبأ العربية بل أكد بروكلمن أن هؤلاء اليهود قد تعمدوا إقصاء الكنعانيين من جدول أنساب سام أي من السلالة السامية.
ويرى بعضهم أن اسم يهوه إله اليهود هو اسم أحد آلهة البدو الشماليين في جزيرة العرب وكان الكنعاني ملك أورشليم يدين بالتوحيد، كما كانت لغة داود وسليمان هي الكنعانية العربية التي اقتبسها الموسويون من بني كنعان بعد دخولهم أرض فلسطين فكانت هذه المعطيات الكنعانية لغة وحضارة هي قوام التراث العربي وفي ضمنه العبرية شفة كنعان أي لسان كنعان كما يقول (مندنهول) أستاذ جامعة ميشيغان الأمريكية بنقل الدكتور سوسة على أن كلمة “عبري” نفسها ومثلها “عبيروا” أو” خبيرو” وقد وردت في الكتابات القديمة وكان يراد بالعبريين القبائل البدوية العربية وبذلك يوجه وصف إبراهيم الخليل في التوراة بالعبراني.. ويؤكد هذه الحقيقة ما ورد في دائرة المعارف البريطانية من أن استعمال كلمة عبري بمعنى يهودي يرجع إلى الحاخاميين بفلسطين في عهد متأخر على أنه تم العثور على كتابة من عهد (رمسيس الثاني) وهو فرعون الذي وقع الخروج -Exode- في عهده سميت فيها بقايا الهكسوس بـ “العبريو” والمقصود هنا القبائل العربية البدوية وهي التسمية التي عرف بها الهكسوس عند المصريين وإسرائيل نفسها كلمة كنعانية عربية أطلقت على موضع في فلسطين وأشارت إليها في هذا السياق كتابات مصرية قبل بعثة سيدنا إبراهيم وأرض فلسطين الكنعانية العربية هي مهاجر لحفدة يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم اغتربوا إليها نازحين من حاران أو حران الحالية.
وكثير من التعابير والأسماء التي يظن أنها عبرية الأصل في الحقيقة عربية نذكر منها على سبيل المثال فقط تسمية أورشليم (أي القدس) التي وردت في الكتابات الكنعانية أي رسائل العمارنة في القرن الخامس عشر قبل الميلاد (أي قبل عصر موسى بنحو مائتي سنة) وقبل ظهور العبرية ومدوناتها ومنها توراة اليهود (لا توراة موسى) بأزيد من ألف عام وقد ورد ذكرها عبر الشعر الجاهلي في شكل أورشليم كما اعترفت التوراة نفسها في نص صريح بعدم وجود أية صلة بين اليهود وهذه المدينة[7].
“وموسى” اسم مصري قديم لا صلة له بالعبرية ولا بالعبريين، وقد ورد ذلك بالخصوص أحد فراعنة مصر باسم “آح لأ موسى” وهو مؤسس السلالة الثانية عشرة (1580-1546ق. م) كما أن الكاهن الأعلى لمدينة (ممفيس) عاصمة مصر المشهورة في عهد (تحوطمس الثالث) (1580-1447ق. م) كان يدعى “بتاج موسى”[8].
وننشر في ما يلي بعض النصوص التي تشهد بعروبة الساميين. فقد أكد سبرنجر -sprenje- أن جميع الساميين عرب.
وقال الأستاذ أولمستيد في كتابه تاريخ فلسطين” (ص: 36): أن البدو العرب كانوا أول من تكلم باللغة السامية وإذا أردنا أن نتفهم الخصائص الأصيلة لهذه المجموعة من اللغات السامية على حقيقتها فعلينا أن نتوجه إلى العربي ابن البادية السورية الذي يجوب شمال جزيرة العرب؛ لأن هؤلاء وحدهم حافظوا على العادات والتقاليد القديمة دون أن يطرأ عليها أي تغيير” وقد أيده المستشرق عبد الله فيلبي في كتابه “تاريخ العرب قبيل الإسلام” حيث قال: “إن اللغة العربية التي يعترف الخبراء في كونها أقرب من جميع اللغات السامية إلى اللغة الأم الأصيلة التي اشتقت منها جميع اللغات هي على أغلب الاحتمالات أقدم لغة في العالم مازالت حية حتى يومنا هذا”[9].
وقد لاحظ الدكتور جواد علي في كتابه “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام” (ج1، ص: 225) أن جماعة من المستشرقين ترى أن اللغة العربية على حداثة عهدها بالنسبة إلى اللغات السامية الأخرى هي أنسب اللغات السامية الباقية للدراسة؛ لأنها لغة لم تختلط كثيرا باللغات الأخرى، فبقيت في مواطنها المعزولة أصفى من غيرها محافظة على خواص السامية القديمة.
وقال (فيلبي) في كتابه “تاريخ العرب قبيل الإسلام” (الإسكندرية 1947، ص: 9): “إنني أعتبر بلاد العرب الجنوبية (ومن ضمنها اليمن) هي الوطن الأصلي لهذا الجنس من البشر المعروف الآن باسم الساميين وهو يمتاز عن سائر الشعوب بلغته المعروفة باسم العربية” ثم لاحظ أنهم هاجروا بسبب الجفاف الذي ظهرت بوادره بعد العصر الحجري القديم الذي يبدأ قبل 35 ألف سنة نحو الشمال إلى أطراف الهلال الخصيب.
وأيد الأستاذ فيلبي خبير أنثروبولوجي آخر هو الدكتور (هنري فيلد) ملاحظا “أن اليمن وعدن كانتا مأهولتين بالسكان في العصر النيولوثي (وهو العصر الحجري الحديث المحدد بين 7000 و5000 ق. م) هاجر منهم إلى عمان والخليج وآخر إلى الصومال وكينيا وتنجانيقا وفريق ثالث إلى نجران وسيناء وفلسطين.
وقد لاحظ الرحالة الألماني (شوينفرت) أن القمح والشعير والجاموس والمعز والضأن والماشية وجدت في حالتها لابدة في اليمن وبلاد العرب القديمة قبل أن تستأنس في مصر والعراق”[10].
——————————————–
1. راجع بحثنا (الفكر الصوفي وأصوله) في العدد الثالث من (اللسان العربي) (1385ه1965م).
2. أشار إليها الأستاذ توفيق المدني في مجلة (تقويم المنصور) (العدد الثالث عام 1348هـ) (راجع بحثنا في مجلة اللسان العربي عدد 3-1384 ص 1965م).
3. الإصحاح /22.
Rawlinson-Phoenicia p 404.548 .4.
Univ. Jewih ( encyclopedia vol.2p.651) .5
A.H.Silver( Moses and the original Torath) N.v 1961 .6
وقد أشار الدكتور أحمد سوسة أيضا إلى مرجع أخر هو”الأسس التاريخية للعقيدة اليهودية، طبعة 1969، ص: 8.
7. الدكتور أحمد سوسة مقدمة كتاب المذكور.
8. أدولف أرمان الترجمة العربية، ص: 29-314، نقلا عن كتاب العرب اليهود في التاريخ “المقدمة”.
9. الدكتور علي حسني الخربوطي “العرب والحضارة، ص: 13.
10. العقاد (أثر العرب في الحضارة الأروبية) القاهرة 1960، ص: 11.
أرسل تعليق