الكبيرة في القرآن الكريم
لقد جاء في القران الكريم من مادة كبر مشتقات هي:
كبُر، كبَّر، تكبَّر، استكبر، تكبير، متكبر، استكبار، مستكبر، كٍبْر، كبير، كبراء، كبيرة، كبائر، كُبَّار، أكبر، أكابر، كبرى، كُبَر، كبرياء[1].
وسأقتصر على صيغة “كبيرة” و”كبائر” في البحث عن مدلول الكـبيرة في القرآن الكريم.
فأما صيغة “كبيرة” فقد وردت أربع مرات، لكن الظاهر أنها جاءت بمعـناها اللغوي في ثلاثة مواضع، منها قوله تعالى: “ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة” [سورة التوبة، الآية:121] وقوله تعالى عن الصلاة (أو عن هذه الدعوة الواردة في الآية): “وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين” [ سورة البقرة، الآية: 44]. واختص الموضع الرابع بمعنى مخصوص، وذلك قولـه تعالى: “ما لِهذا الكتابِ لا يُغَادِرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحْصاها” [سورة الكهف، الآية:48].
وما يشهد بأن الكبيرة هنا تحمل دلالة مخصوصة هو أنها ذكرت من دون ذكر للموصوف بالكبيرة، على عكس النصوص الثلاثة الأخرى، حيث وصف بالكبيرة الصلاة أو القبلة، فكانت الكبيرة هنا دالة على الصعوبة والمشقة، كما وصفت النفقة بالكبيرة في الموضع الرابع، وجاءت مقابلة للنفقة الصغيرة، كما يشهد لهذا أيضا أن الكبيرة في المواضع الثلاثة جاءت واصفة لطاعة لا لمعصية، وهـذا كله يدعو إلى اعتبار الآية من سورة الكهف هي التي وردت فيها الكبيرة بمعناها الاصطلاحي.
كما جاءت صيغة كبير أيضا بمعنى يقترب من مدلول الكبيرة في قوله تعالى: “يسالونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير” [سورة البقرة، الآية: 217] “ولا تاكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا” [سورة النساء، الآية: 2] و“نحن نرزقهم واياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا” [سورة الاسراء، الآية:31].
أما صيغة الكبائر، فقد وردت ثلاث مرات هي قوله تعالى:
• “انْ تجتنبوا كبائر ما تُنْهَوْن عنه نَكَفِّرْ عنكم سيئاتِكم” [سورة النساء، الآية: 31]؛
• “والذين يجتنبون كبائرَ الاثمِ والفواحشَ” [سورة الشورى، الآية: 34]؛
• “الذين يجتنبون كبائِرَ الاثمِ والفواحشَ إلا اللَّمَمَ”[2] [سورة النجم، الآية: 31].
وإذا بدأنا بآية الكهف؛ فإن الله تعالى يخبرنا عن مشهد من مشاهد يوم القيامة، يوم يحاسب الناس على أعمالهم، فيشتد الأمر على المجرمين، لدقة الموقف الذي سيكشف لهم فيه عن كل أعمالهم سواء كانت كبيرة أو صغيرة، والله عز وجل هنا ذكر الصفة من غير الموصوف الذي هو السيئة الصغيرة والكبيرة حسب ما قاله المفسرون[3]، وحسب ما يفهم من سياق النص، حيث إن السيئات هي التي يخافون من كشفها، ومن العقوبة عليها، لكن ليس في النص ما يقطع بأن الأمر يتعلق بالكبيرة بمعناها الاصطلاحي.
أما النصوص الثلاثة المشتملة على لفظ الكبائر فيلاحظ من خلالها:
• اقتران لفظ الكبائر بالاجتناب؛
• إضافتها مرة إلى: ما ينهى عنه، ومرتين إلى الإثم؛
• عطفها على الفواحش مرتين؛
• تعليق تكفير السيئات على اجتنابها.
فيكون معنى الكبائر هو ما عظم من الذنوب التي يعاقب فاعلها، ويثاب تاركها، ويكون تركه لها سببا في تجاوز ما دونها من الذنوب وتكفيرها.
هذه النصوص يستخلص منها أمران هما:
– لفظة الكبير والصغير ليس لهما معنى محدد؛ لأن دلالتها إضافية، كمـا سبق، ولذلك لا نفهم من النصوص نهيها عن ذنوب بعينها، بل تـرك معنى الكبائـر عاما لتقوم السنة المطهرة بتخصيصه؛
– الثانية: ما يفهم من النصوص مجتمعة أن الذنوب أنواع:
فهناك الكبائر، والفواحش، واللمم، والسيئات، وتوحي الآيات الكريمة أن الكبائر هي أعظمها.
————————
1. اقتصرت على ذكر الصيغة مطلقة دون تفصيل بذكر الماضي والمضارع والجمع…
2. استدل أبو حامد الغزالي بالآية الأولى والثالثة على تضعيف قول من قال إن كل مخالفة لله هي كبيرة، ولا وجود للصغيرة والكبيرة، الإحياء 4/21.
3. المحرر الوجيز، 3/521.
أرسل تعليق