القرآن الكريم مؤسِّسا لإجماع الأمة اليوم.. (16)
الإجماع والوعي الجمعي في السياق المعاصر
لقد كان للإجماع دورا كبيرا في الاستقرار والأمن في -العصر الرساليِّ- فالأمة في عمومها، كانت تتحمل تبعة الرأي الجماعي الذي يشكله أهل الشأن والدراية بموضوع الإجماع.
والنظر المتملي في منهج جيل التلقي، أثناء تعاملهم مع مختلف النوازل والمستجدات السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديِّة، يهدي المرء إلى القول بأن الإجماع كان امتداداً للمنهج النبويِّ في المعالجة والطريقة، كما كان انعكاساً للتربية النبويِّة التي ربَّى –صلَّى الله عليه وسلَّم- بها أولئك الصحب خلل سنوات البعثة.
إن إعادة الواقعية والفعالية إلى مفهوم الإجماع والوعي الجمعي، مرهونة باستبانته على ما كان عليه في أصله، وتجريده من المعاني المثالية التي نسجت حول مفهومه، وحول المؤهلين لعقده، ومجالات توظيفه والمسائل التي يمكن توظيفه فيها. ولن تستطيع أُمتنا أن تقوم بكل ذلك، قبل أن تعيد بناء عالم أفكارها ودعائم ثقافتها، ومناهج معرفتها، وقواعد علومها؛ بحيث يعاد تشكيل وجدان وعقل المسلمين، في انفتاح على هاديات الكتابين؛ المنظور والمسطور، وإتقان للجمع بين قراءتيهما.
ويسجل، بهذا الصدد، أن معظم الباحثين في الإجماع لم يعنوا بتأصيل القول في جانبين مهمين منه الإجماع:
الأول: طبيعة المسائل التي ينبغي أن يوظف الإجماع في التصدي لها؛
وأما الثاني: فيتمثل في البحث عن الوسائل الكفيلة بتجاوز اعتبار الفكرة الإجماعية شأناً فكرياً بحتاً، إذ إنها شأن أمة، ومن ثمّ، فإنه يدخل في أهل الإجماع رجال الحكم والقيادة، بالإضافة إلى جماعة أهل العلم والمعرفة والدراية في كل المجتمعات.
هو ما يفرض واجب البحث والتفكير لتجريد سائر السبل والوسائل، المعينة على إعادة الحيوية والفعالية إلى هذا المصطلح، وحتى يؤوب أبيض من غير سوء سيرته الأولى التي كان عليها في العصر الرسالي والراشدي، حتى يمكن توظيفه للتصدي للنوازل الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الحارقة التي أضحت تمور في ساح الأمة في هذا الزمان.
مما يستدعي ضرورة إعادة وضع تصور عملي لمفهوم الإجماع والوعي الجمعي، ينطلق من القيام بجملة مراجعات، في مقدمتها المراجعة في ضوء النسق القرآني، ذلك أن للقرآن المجيد مقاصده العليا الحاكمة، وكلياته، وسننه وقوانينه، ومحدداته المنهاجية، وخصائص فهمه وفقهه ومحاوره، التي ينبغي أن تتم في إطارها هذه المراجعة، التي سبقت الإشارة إلى بعضها في المقدمات التأسيسية..
والله المستعان
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق