القرآن الكريم مؤسِّسا لإجماع الأمة اليوم.. (15)
الإجماع والوعي الجمعي في السياق المعاصر
تمثلت بداية نشأة فكرة الإجماع في تبني المنهج الجماعيِّ في القضايا والنوازل والمستجدات التي تعمُّ فيها البلوى، وتشمل جميع أفراد الأمّة حديثة التكوين بطَيْبة الطّيبة، وقد انطلقت الفكرة الاجتماعية عصرئذٍ من مبدأ قوامه أنَّ ثمَّة جماعةً متضامةً ومرتبطةً ذات هدفٍ واحدٍ (أمة)، وغايةٍ واحدةٍ، ومنهج حياة واحدٍ، وأن ما يهمُّ عموم الأمة لا يفصل فيه إلا الأمَّة نفسها، أو عن طريق خبرائها وأبنائها، وأهل الدراسة والاختصاص والمعرفة بحقيقة النازلة ومآلاتها وآثارها على عموم الأمَّة.
و”الأَمُّ” في لسان العرب: مداره على القصد، قال ابن منظور: “وأصل هذا الباب كله من القصد. يقال: أمَمْتُ إليه: إذا قصدتُه؛ فمعنى “الأُمة” في الدين، أن مقصدهم مقصد واحد.. ومعنى “الأُمة” في الرجل المنفرد الذي لا نظير له، أن قصده منفرد من قصد سائر الناس.. ومعنى “الأُمة”، القامة، سائر مقصد الجسد. وليس يخرج شيء من هذا الباب عن معنى “أممتُ”: قصدتُ[1].
ويمكن للراصد أن يلاحظ تكرار ظهور الحاجة إلى تكوين رأي جماعيٍّ من قبل الجماعة الإسلاميِّة كلما داهم الحياة العامة شأنٌ تعم به البلوى ويتجاوز الأفراد إلى المجتمع بأسره، فقد كان المصطفى –صلّى الله عليه وسلّم- يجمع صحابته- عليهم رضوان الله- فيستشير الخاصَّة من أهل المعرفة والخبرة فيما ينبغي اتخاذه من تدابير ومعالجاتٍ لمختلف النوازل.
وخلاصة القول، إنَّ مفهوم الإجماع والوعي الجمعي في العصر الرساليِّ، والذي كان قائما على الأصول القرآنية المذكورة في المباحث السالفة، كان جليّ المعنى، وحيويّاً فاعلاً في حياة الأمة، كما تميز وجوده بالواقعيَّة والحضور في سائر النوازل والحوادث التي تتسم بالعموم..
والله المستعان
الأمين العام للرابطة
المحمدية للعلماء
—————————————
1. لسان العرب، لابن منظور، مادة “أمم”.
أرسل تعليق