القرآن الكريم مؤسِّسا لإجماع الأمة اليوم.. (5)
إن النظر الحصيف في منهج الصحابة الكرام –رضي الله عنهم- في مواجهة الأزمات والنوازل الفكريَّة، والسياسيَّة، والاجتماعيَّة، والاقتصاديِّة، يهدي المرء إلى القول بأنَّه قد كان امتداداً للمنهج النبويِّ في المعالجة والطريقة، كما كان انعكاساً للتربية النبويِّة التي ربَّى –صلَّى الله عليه وسلَّم– بها أولئك الصحابة خلال سنوات البعثة.
ولكي يكون فعل القراءة التكاملية بين الكتابين المنظور والمسطور، وبين العلوم المنبثقة عن الحوار معهما، ونقصد بذلك علوم التيسير وعلوم التسخير أمرًا ممكنًا، لابد أن يضطلع الإنسان بكل ما سلف من مقوّمات ومقدمات، حتى يكون الجمع بين القراءتين قادحًا لزَند التكامل والتنامي والإغناء لكلٍّ منهما، ضامًّا بين القدرة على الحركة والقدرة على استحضار القبلة واستبانة الوجهة واستخلاص القيم، وعابرًا بين الكتابين والعلوم المستخلصة منهما، بالخبرات المستكنهة من كل منهما، إلى كل منهما.
لقد جاء الوحي في المجال الإنساني متسقًا مع كون الإنسان متحملاً للأمانة، وكونه عُلِّم الأسماءَ كلها، ومع كونه قد أسجدت له الملائكة، ومع كونه قد رُفع إلى أعلى مصاف الكرامة. وهذا مقتضاه تفعيل الإمكان الكامن في الإنسان وعدم طمره أو إهماله؛ لأن في ذاك تحجيمًا له. فالوحي -بناء على هذا- تنزّل وفق قدرات الإنسان التي زوّده بها باريه -وهو أعلم به- ولا يحصل الانتفاع به إلا إذا شغلت هذه القدرات جميعها. بتعبير آخر، لا يتحقق السجود في المجال الإنساني إلا بحشد الإنسان -فردًا وجماعة- لكل الطاقات المكنونة فيه.
وعلى هذا يفهم قوله تعالى: “فَاتَّقُوا اللهَ مَا اَسْتَطَعْتُمْ” [التغابن، 16]، وقوله: “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اَسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ” [الاَنفال، 61]، وقوله: “لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا اِلاَّ مَا ءَاتَاهَا” [الطلاق، 7]، وقوله: “لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا اِلاَّ وُسْعَهَا” [البقرة، 285]، فالوسع والإيتاء قد فُهما في فترات الجمود والقعود فهمًا سالبًا، في حين أن التطلع لتحقيق السجود يقتضي لهما فهمًا موجبًا..
والله المستعان
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق