العولمة وتنميط الإنسان وانتهاك الخصوصيات الثقافية.. (1)
إن مصطلح العولمة من المصطلحات الحديثة، فقد بدأ استعماله في نهاية ثمانينات القرن العشرين الماضي، وشاع تداوله في العقد التالي، وهناك من يعيده إلى فترة الستينات من القرن الماضي، وهي تشير إلى العمليات الاجتماعية المتعددة الأبعاد بوصفها للتغيرات المتسارعة في المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والبيئية التي خلق وتوسع وتكثف الترابط الاجتماعي العالمي[1]، فأصبح مصطلحاً تداولياً في مجال الفكر والثقافة والاقتصاد والسياسة، وأصله عن الكلمة الانجليزية (Globalization)، وهو يعني: “زيادة درجة الارتباط المتبادل بين المجتمعات الإنسانية من خلال عمليات السلع ورؤوس الأموال وتقنيات الإنتاج والأشخاص والمعلومات“[2].
والعولمة بهذا التعريف ليست مجرد توجه اقتصادي يقوم على حرية حركة رؤوس الأموال وأدوات الإنتاج، بقدر ما هو طريقة عيش وأنظمة حياة ترتبط بالفلسفة الرأسمالية الغربية، منذ نشأتها التاريخية ومحاولة تعميمها على شعوب العالم ودوله، بكل ما يمت إلى القيم الغربية بصلة، وعلى صعيد حقوق الإنسان فقد بدأت كنتائج للثورات الأوروبية والأمريكية، فقد ظهرت حقوق الإنسان في البداية في إعلان الثورات الفرنسية والأمريكية وغيرهما، ثم تحولت إلى قوانين داخل الدول، بحيث تنص دساتير الدول على الحقوق الإنسانية في مواد الدستور وقوانينه السيادية الداخلية، ثم امتدت إلى المستوى الدولي، سواء عن طريق عصبة الأمم ومن بعدها هيئة الأمم المتحدة، التي أصدرت الميثاق العلمي لحقوق الإنسان في 10/12/1948م، وأخيراً وصلت حقوق الإنسان إلى أعلى مراحلها، فانتقلت من العالمية إلى العولمة[3].
لقد” نصت المادة الثالثة عشرة من ميثاق الأمم المتحدة على ضرورة إنماء التعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، والإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الإنسانية للناس كافة.
كما أكدت المادة الثالثة والسبعون منه على كفالة تقدم شعوب العالم في شؤون السياسة والاقتصاد والاجتماع والتعليم ومعاملتها بإنصاف وحمايتها من ضروب الإساءة كل ذلك مع مراعاة الاحترام الواجب لثقافة هذه الشعوب.
وانسجاماً مع ما تقدم فقد جاء في المادة الأولى من إعلان مبادئ التعاون الدولي الذي أصدره المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) في دورته الرابعة عشرة في 4/11/1966م ما يلي:
1. لكل ثقافة كرامة وقيمة يجب احترامها والمحافظة عليها؛
2. من حق كل شعب ومن واجبه أن ينمي ثقافته؛
3. “تشكل جميع الثقافات، بما فيها من تنوع وبما بينها من تباين وتأثير متبادل جزء من التراث الذي يشترك في ملكيته البشر جميعاً“[4]..
يتبع في العدد المقبل..
——————————————————-
1. انظر: تناقضات العولمة، حاتم حميد علي، دار كيوان، دمشق، الطبعة الأولى، 2008م، ص: 5.
2. انظر: العولمة وآثارها على حقوق الإنسان الاجتماعية والحضارية، الأستاذ الدكتور هاشم يحيى الملاح، مؤتمر كلية الحقوق في الشريعة والقانون (التحديات والحلول)، مصدر سابق، ص: 479.
3. انظر: حقوق الإنسان وحرياته الأساسية “ملاحظات في نقد الفكر الغربي“، الأستاذ الدكتور خليل إسماعيل الحديثي، مؤتمر كلية الحقوق في الشريعة والقانون (التحديات والحلول)، مصدر سابق، ص: 42.
4. انظر: العولمة وآثارها على حقوق الإنسان الاجتماعية والحضارية، الأستاذ الدكتور هاشم يحيى الملاح، مؤتمر كلية الحقوق في الشريعة والقانون (التحديات والحلول)، مصدر سابق، ص: 487. وقد عزاه لكتاب الهوية والعولمة من منظور حق التنوع الثقافي، الدكتور عبدالعزيز التويجري، مجلة الإسلام اليوم، الرباط، سنة 1998، العدد (15)، ص: 16ـ18.
أرسل تعليق