العلامة عبد الله كنون يتحدث عن نفسه.. (2)
والمفروض أن الذي يترجم لشخص ما يعتبر كصديق له، ولا يقال: إن في كلامي هذا مبالغة (…) كما أن علماؤنا وكتاب التراجم عندنا لم يكونوا يتجسسون على مترجميهم ويطلقون الفرضيات التي لا أساس لها إلا سوء الظن لينالوا من عرضهم وسلوكهم بدعوى تحليل شخصياتهم، وتعبير ما اشتبه من حياتهم، إنهم كانوا ينقذون ولكن نقدهم إنما ينصب على الأقوال والأعمال التي صدرت منهم فعلا لا على دواتهم وأشخاصهم بالتكهنات والتخرصات، ومن الغريب أن أصحابنا لا يشتغلون بذوي الدعاوى الباطلة الذين ينتحلون ما ليس لهم وينسبون لأنفسهم كل فضل ويجردون غيرهم من كل مزية كأن تطاولهم هذا عندهم حقيقة يعجزون عن التشكيك فيها، وكأن تفتح هؤلاء المدعين يمت بنسب إلى تحليلاتهم فهم يرعون على هذه التراجم التي بينهم أن يمسوها بسوء لأن الهدف واحد هو الهدم والتحطيم ألا يؤيد هذا ما يقوله بعض الباحثين عن مؤسسي تلك المذاهب من أنهم يعملون على خراب العالم وتدمير الإنسانية؟ ونقف عند هذا الحد وإن كان في الكلام بقية لأنن إنما نريد أن نعلل ما قلناه من عدم الميل إلى المذكرات الشخصية بطبيعتنا وهو ما لم يقبله منا الدين يلحون علينا بكتابة مذكرات عما شهدناه أو شاركنا فيه من أعمال وتحركات على عهد الحماية البائدة لا سيما في ما يتعلق منها بالكفاح الوطني، وإعداد الشعب ماديا وروحيا لمواجهة خصوم البلاد ولو للحقيقة والتاريخ وهذا لا يستلزم التعرض للأحوال الشخصية كما يقولون، ولو صح كل ذلك لخلت المذكرات من المداخلات الشخصية، وكيف نفصل بين المذكرات وصاحبها وهو الذي يحكي عن ملابسته للأحداث ويخبرنا بالوقائع كما شهدها إن التجريد ها هنا غير ممكن فهو بمثابة التقصي من المسؤولية وما أجراه أن يكون نكولا لا شهادة.
نعم حين تتعين الشهادة، يجب إقامتها لله وهي ما أحاط بها من ظروف لا بد أن تؤدى على وجهها لتبرأ الذمة، ويخلص المرء من التبعية، ومن كانت هذه غايته فهو أبعد ما يكون عن التزيد والتشبع بما لم يعط، وعلى هذا المنوال قبلت أن أخط هذه الحروف في مذكرات غير شخصية نبعد عنها كل ما لا يهم القارئ وما يجعل الفضوليين يدسون أنفسهم في حياة الناس بلا حق، زعما بأنهم أصحاب أفلام موحية ونظرات فاحصة يزكيها العلم والتحليل النفسي..
يتبع في العدد المقبل..
عن كتاب “ذكريات مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة” الصفحة 11-12 تأليف العلامة عبد الله كنون قدم له واعتنى به ورتب تراجمه إلى طبقات الدكتور محمد بن عزوز، الجزء الأول: في العلم مركز التراث الثقافي المغربي، دار ابن حزم الطبعة الأولى 1430ه/2010م.
أرسل تعليق