العلامة المختار السوسي من خلال دعوة الحق.. (7)
[محمد المختار السوسي، الوطني الغيور]
كان للاستعمار الفرنسي ودعاياته المغرضة أثرها الفعال في تغيير عقليات وسلوكات الكثير من شباب المغرب في تلك الفترة الحرجة التي عاشتها البلاد، فانقسم المجتمع المغربي ومعه قيادات الحركة الوطنية بين متمسك بالدين الإسلامي باعتباره رمز قوتنا ودستور حياتنا ومنقذنا من الضلال، وبين من يدعو إلى الأخذ بالنموذج الأجنبي “الأروبي”. وهنا انبرى العلامة محمد المختار السوسي الوطني الغيور والمتشبث بدينه، ليطلب من الجميع، وبأخلاق رفيعة وبجدال حكيم إلى التمسك بعقيدتنا قبل كل شيء، فجاء خطابه هذا تحت عنوان “لنكن مسلمين أولا”[1] ليكون بذلك خير من عرف حق قدره وأفضل من له بُعد نظر وما ينتظره هذا الوطن من تنظيم دقيق وتدبير محكم. ومما جاء في هذا المقال باقتضاب:
“إننا اليوم ننعم بهذا الاستقلال الذي هيأه الله لنا بفضله، تحت جهود الذين ضحوا بأنفسهم وبنفائسهم… حقا، ها نحن أولا مستقلون، وها هي ذي حكومتنا الفتية تسير بالأمة سيرا طبيعيا إلى الأمام، وها هو ذا الشعب على اختلاف مشاربه يلتف حولها، ويرى منها رمز الحياة والتقدم… لكن، أيكفي أن نقول إننا مستقلون اليوم من غير أن نراجع قائمة مقوماتنا التي كنا بها أمة عظيمة امتدت أجنحتها حتى حلقت على اسبانية المسلمة وعلى الجزائر وتونس وليبية؟… إذا بما كان أمس من تلك العظمة التي تجلت من المرابطين والموحدين تعود اليوم بأعلى وأجلى مما كانت عليه إذ ذاك؟… وبعد، فإن الاستعمار أصناف، فأدناها استعمار الأرض، وأشدها استعمار العقول والأفكار، فقد وفقنا إلى زحزحة استعمار الأرض السهل، وبقي أن نزحزح استعمار العقول والأفكار عن ثلة قليلة من أبنائنا، فيجب أن نعرض أمامهم ما جهلوه عن دين الإسلام وعن مبادئ الحق، وعن مغازيه في الحياة… إن الذين ضحوا في وقت المحنة تلك التضحية الباهرة، ما ضحوا إلا ليكون الشعب مسلما، والإسلام عند عارفه مثال الإنسانية الكاملة، بعلمها ونظمها وحياتها الواقعية، وقوانينها التي تستمد دائما من العدل والحرية الشخصية، ومن المصالح العامة، فبذلك صار الإسلام صالحا لكل زمان ولكل مكان، ولا تخفى هذه الحقائق إلا عن الذين جهلوا الإسلام ولم يدرسوه، ولا كلفوا أنفسهم بالالتفات إليه ولو أدنى التفات.
يا قوم، لنكن مسلمين أولا، في عقائدنا وفي أعمالنا، وفي محاكمنا، وفي نظمنا، وفي كل شيء، لتبقى لنا صبغتنا القومية من كل ناحية، ولنحرص على أن لا نأخذ من الغرب إلا ما هو نافع، ثم لنحرص على أن نصبغه بصبغتنا الخاصة، فإننا إن لم نفعل ذلك ولم نتعرب ولم نتصف بالإسلام العملي، فسنندم عن قريب..”.
يتبع في العدد المقبل…
————————–
1. دعوة الحق. العدد 2 السنة الأولى: 1957-ص: 6، وص 14.
أرسل تعليق