Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

٪ تعليقات

العلاقات الاجتماعية بين المغاربة والأندلسيين

المجاورة

كان لاحتكاك الأندلسيين بالمغاربة دور جد إيجابي خصوصا عند استقرار بعضهم داخل المجتمع المغربي، إذ استقرت بالمغرب جاليات أندلسية مهمة بحكم الصلات السياسية والحضارية التي كانت بين العدوتين، فكانت لهم مساهمات عديدة في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية تبينها بدقة كتب الوثائق والسجلات الغنية بالمعلومات، وكتب النوازل، وكتب التراجم، وكتب الرحلات، والتي يمكن الاستفادة منها لمعرفة أحوال هذه الجاليات الأندلسية التي انصهرت في المجتمع المغربي وتطبعت بعاداته، وفي نفس الوقت أثرت فيه بعاداتها و تقاليدها المتميزة.

 إن القراءة المتأنية للمصادر السابقة تمكن من الاقتراب من العقلية الأندلسية والعقلية المغربية على السواء، وتظهر مدى احتكاكهما ببعضهما خصوصا عن طريق المجاورة التي كانت بينهما والتي شهدتها مختلف المدن المغربية، ففي العصر الموحدي ازداد تمازج العناصر التي تسكن مملكتهم من بربر وعرب وأندلسيين، وقطعت البلاد المغربية عدة مراحل في طريق التعريب باستقرار القبائل العربية الهلالية والسليمية في جميع الجهات، مما ساهم في انتشار الثقافة العربية [1] ، فمجاورة الأندلسيين للمغاربة وتعايشهم معهم لم تؤثر فقط في الميدان العمراني والعلمي، بل تعدته إلى صقل شخصية المغاربة وتطبعهم بكل ما هو أندلسي حتى في لباسهم الخاص وحفلاتهم وأعيادهم ومأكولاتهم، وفي علاقاتهم الاجتماعية السائدة بينهم وفي نمط حياتهم اليومية بصفة عامة، وللوقوف على هذا بالتفصيل الدقيق يمكن الرجوع على سبيل المثال لا الحصر إلى كتاب: “مذاهب الحكام في نوازل الأحكام” للقاضي عياض وولده من تحقيق الدكتور محمد بن شريفة، و”نوازل أو مسائل ابن رشد الجد”، و”المعيار المعرب” لأحمد الونشريسي السالفي الذكر.

ولا نغفل أيضا كتب الوثائق والسجلات التي برع الأندلسيون في تأليفها وكان لهم قصب السبق في ذلك؛ إذ أن المتصفح لهذه الكتب يلمس مدى أهميتها في إبراز العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية التي كانت سائدة بين المغاربة والأندلسيين، فهي تعتبر مرآة تجسد دقائق التقاليد والأعراف السائدة في المغرب والأندلس، تضم بين دفتيها معلومات نفيسة كان يمتاز بها المجتمع المغربي والأندلسي على السواء، ومصدرا مهما حافلا بالمعلومات عن الشعوب وتقاليدهم، بالإضافة إلى احتوائها على ألفاظ وتعبيرات خاصة باللهجة الأندلسية الأصيلة ككلمة “سْطوان”، و”طَيفور”، و”مُرفع” التي مازالت رائجة في المدن المغربية الشمالة إلى يومنا هذا، وللمزيد من التعمق ينظر مثلا: كتاب “المقنع في علم الشروط” لابن مغيث الطليطلي تحقيق فرانسيسكو خابيير أغيرى. ط: مدريد. 1994م، “الوثائق والسجلات” لابن العطار الأندلسي تحقيق شالميتا وكرينطي.

ط:مدريد.1983م، “المقصد المحمود في تلخيص الوثائق والعقود” للجزيري الأندلسي تحقيق كاتبة المقال، كتاب “وثائق عربية غرناطية من القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي” تحقيق لويس سيكو دي لوثينا.ط: مدريد. 1961م.

المصاهرة

لا غرو أن الالتحام الذي كان بين المغرب والأندلس من الناحية السياسية والعلمية والاجتماعية في العصر المرابطي والموحدي قد ساهم في ربط علاقات حميمة بين شرائح مجتمعيهما، مما أدى إلى المصاهرة العائلية بينهما التي كان لها أكبر عمق اجتماعي محظ لا غنى عنه لترسيخ الروابط الأسرية، وتثبيت كيان المجتمع المغربي الأندلسي، وتذكر بعض المصادر التاريخية [2] المعتمدة كيف أن بعض الأندلسيين كانوا يفضلون الزواج من نساء غير أندلسيات لظروف الغربة والأسفار من أجل طلب العلم، أو التجارة أو الاستقرار ببلد معين؛ وكان الموحدون لا يسمحون باختلاط الرجال بالنساء في الأسواق العامة أو في الأعياد والمواسم، كما أن المرأة لم تكن ذات نفوذ سياسي في الدولة كما كانت المرأة المرابطية، لكنها كانت ذات رأي محترم في الميدان الأسري؛ إذ كانت تساهم بنصيب كبير في بناء الأسرة اقتصاديا واجتماعيا عن طريق مساهمتها المتنوعة والفعالة داخل المجتمع، بمعنى أنه كان لها حضورا قويا مميزا في تحريك الحياة العامة ذات اليمين وذات الشمال.

 ولقد كثرت الزيجات الأندلسية المغربية خلال سيطرة المرابطين والموحدين على الأندلس وشكلت أسر عديدة في كل من مدينة تطوان، فاس، سلا ومراكش إلى غيره من المدن التي كانت وكرا وملاذا للأندلسيين، والملاحظ على هذه الزيجات أن مهورها كانت مرتفعة عكس ما كانت عليه في الزيجات المغربية المحضة، ولعل ذلك يعود إلى حياة الترف والرخاء التي اعتاد عليها الأندلسيون حيث أسهبت كتب النوازل والوثائق في الحديث عما كان يسوقه الزوج لزوجته من سياقة تليق بمقامها [3] ، فالمتصفح لكتب الوثائق والعقود الأندلسية يقف على نماذج مختلفة من صيغ عقود الزواج التي كان يذكر فيها اسم الزوج والزوجة، ومقدار الصداق والنحلة أو السياقة حسب التعبير الأندلسي، وفيها بتعهد الطرفان بالإحسان والصحبة وجميل العشرة.. [4].

 ومجمل القول هو أن المصاهرة بين المغاربة والأندلسيين خلال العصر المرابطي الموحدي لا يمكن حصرها في كلمات معدودة فهي واسعة الأطراف، ويمكن الرجوع إلى كتب التراجم الأندلسية العديدة[5] للوقوف عل أسماء العائلات المغربية الأندلسية التي تصاهرت فيما بينها سواء منها التي استقرت بالأندلس أو بالمغرب؛ إذ لم يكن هناك فرق بين العدوتين، للإشارة فأسماء هذه العائلات ما زالت موجودة إلى يومنا هذا بالمدن المغربية كتطوان، فاس، سلا والرباط..

هذه باقتضاب بعض الإشارات إلى الحياة الاجتماعية التي كانت تسود المغرب والأندلس خلال الحقبة المرابطية والموحدية، فالدولتين تستحقان أن يفخر بهما التاريخ الإسلامي عامة وتاريخ الغرب الإسلامي خاصة، لما قدماه من جهود جبارة في سبيل البلوغ إلى مجتمع نموذجي وحفظ الأمان والاستقرار بالعدوتين المغرب والأندلس الرطيب.

———–
1.  ينظر:عبد الوهاب بن منصور. قبائل المغرب 1/129.المطبعة الملكية.ط:1968م.
2.  أحمد المقري. نفح الطيب 2/632.ط: 1. 1949م.
3.  ينظر:ابن سهل الأندلسي. الإعلام بنوازل الأحكام. مخطوط الخزانة العامة بالرباط.رقم.(838ق). وابن زكون.اعتماد الحكام في مسائل الأحكام. مخطوط الخزانة العامة بالرباط. رقم: )313ق).
4. ينظر: الجزيري. المقصد المحمود. عقود الزواج.تحقيق كاتبة المقال. ونوازل ابن الحاج.مخطوط الخزانة العامة بالرباط. رقم: (55ج).
5.  تجدر الإشارة أن المخطوطات التي ذكرت في المقال أغلبها قد حقق وطبع مؤخرا.

التعليقات

  1. د. جمال بن عمار الأحمر

    جازاك الله خيرا على هذا المقال الطيب الذي يستند إلى كتب ويتحصن بالوثائق…
    الظاهرة نفسها نجدها في الجزائر، لكن الموريسكيين رفضوا الاندماج بالشعب الجزائري الذي استضافهم، لا من باب نكران الجميل، بل طمعا في العودة، وسدا لباب الذوبان الأندلسي في الجزائر…
    ولما جاء الاحتلال الفرنسي عام 1830م تيقنوا أن المصيبة صارت كارثة، والله المستعان…

  2. عطاء السردو

    حياك الله الأستاذة الفقيهة الفاضلة علية الأندلسي…
    نشكرك على إثارتك لهذه المواضيع الخاصة بمنطقة الغرب الإسلامي: المغرب والأندلس، ذلك الفردوس المفقود الذي ما زلنا نبكيه إلى الآن، وألتمس من فضيلتك أن تكون هناك بحوثا أخرى في هذا المجال تذكرنا بتاريخنا التليد وبحضارتنا المشرفة، التي تعتبر غرة في جبين كل المغاربة من مورسكيين وبربر وعرب، وتعرف أبنائنا بها، كما نرجو منك فضيلة الفقيهة المحترمة أن تكتبي لنا بحوثا خاصة بالفقه المالكي وأصوله بمنطقة الغرب الإسلامي، لما يعرف عنك من اهتمام منقطع النظير في الجانب الفقهي، ولك من الأنشطة العلمية الكثيرة التي أتحفتنا بها وما زلنا نستذكرها عن ظهر قلب…بارك الله في مجهوداتك العلمية المتميزة وعيد مبارك سعيد وكل عام وفضيلتك بألف خير…

  3. جمال الدين

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    سيدتي الدكتورة علية الأندلسي.
    إنه لمن المفيد أن تكون مثل هذه البحوث التي تنم عن فهم واقعي لطبيعة الصراع بين الأمم اليوم، لذا فالتنقيب على تاريخ أمتنا واجب على كل فرد منا؛ بل هو فرض عين- بلغة الفقهاء والأصوليين- على كل المسلمين حيثما كانوا.
    فأنا أتقدم بشكري الجزيل لك وأتمنى أن تكون هناك بحوث أخرى.
    عيد مبارك تقبل الله منا ومنكم وغفر الله لنا ولكم ودمتم في المنافحة عن حياض الإسلام والمسلمين.
    السلام عليكم

  4. جمانة التستري

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    أستاذتي الفاضلة علية الأندلسي
    أكرمك الله تعالى وجزاك خيرا على مجهودك الكبير في إماطة اللثام عن تاريخ الأندلس والمغرب.

أرسل تعليق