الشباب يقول إن العاطفة وحدها لا تقوم الاعوجاج
في الأمة اليوم أجيال من الشباب الذين أدركوا الحلم في مقدورهم أن يلتقطوا بأساليب حية وواضحة، يرتفعون بالأمة إلى المستوى الإنساني الحضاري، لأنهم أبناء وبنات عصرهم وبيئتهم، يستقبلون بأعينهم النور في القرن الواحد والعشرين الذي وجدنا أنفسنا فيه نعيش في قلب عزلة عميقة، بعد أن تقطعت كافة الروابط التي كانت تربطنا بالعالم من حولنا، جراء عنف الأحداث التاريخية والاجتماعية والفكرية، مع العلم أن الانطواء القلق على الذات يعلوه انطلاق نحو التقارب الإنساني، ولا ينبغي أن يبقى تقاربا في مستوياته الدنيا، إذا شئنا التغلب على أزمة إنسان العصر، حتى نصل ما انقطع، ونبني ما تداعى، وإلا دخلنا في غياهب المجهول، إن أمانة أمجاد الأجداد، تهيب بالشباب إلى مضاعفة الجهد حتى نلحق بركب كنا قادته وفاتنا اليوم.
فمتى نتصدى لرياح خريف الأمة في أيامها ولياليها الحزينة، والقلوب تعبث بها أيد قذرة، والعتمة تحتضن الجميع كأنها أم تحنو على طفلها الجريح الكسيح، وأنفاس الجميع تنعقد في السماء الرمادية لتنهدات شعوب فجعت في حضارتها وإنسانيتها. وخير ما في الأمة شباب آمن بعروبته وإسلامه الإنساني وأنكر ذاته في سبيل الأوطان وهو رمز لها، وسيظل حارسا أمينا حتى الأنفاس الأخيرة من عمره، مهما تشوهت القيم الرفيعة، هو الذي يضع حدا للفوضى السائدة، وإحياء العناصر التي تتألف منها شهامة الأمة، لقد انقضت أزمان الركود والجمود، والهجوع والانعزال عن ركب البشرية، ذلك الركب الذي لم نشارك فيه الإنسانية في رقيها المضطرد وتقدمها المستمر.
وما أظن الأمة في حاجة إلا إلى شباب يهبها من الحب ما يسنده التدبير والتخطيط، يؤمن بالآخر وينظر إلى الناس بإيمان يرى في وجوههم الخير، ويشاركهم في الأحزان والأفراح، فالأحزان كثيرا ما تغري كما تغري الافراح تماما، والتواصل بين بني آدم وبناته تعارف مصارحة ومن سمات العقلاء قدرتهم على أن يتعظوا بتجارب غيرهم، لا بتجاربهم هم وحدهم.. والإنسانية تكسب بالشباب حريتها وغناها وبه تكسب حياتها وخلودها أن لهم رسالة محددة موجهة لا إلى المسلمين وحدهم بل إلى البشرية بأسرها ألا وهي رسالة التفاهم والفهم لإنسانية الإنسان، وحث هذا الإنسان إلى تعميق معرفته لذاته وللآخر، وعندئذ يستشعر في داخله ثقة في الله تعالى، وثقة في نفسه وفي غيره من البشر، ليمارس الجميع حرية الإرادة ممارسة تامة، فيمضون في الحياة مطمئنين بوعي منفتح وقلوب مبتهجة، تستشعر هموم الإنسانية واهتماماتها، ومعبرة عن نبض توقها للحرية، والكشف عن الملابسات التي تحاك ضد مصائر الشعور، ومكبرة للناس البسطاء، الذين برزت معادنهم الشجاعة في هذه الايام الحرجة الرهيبة، كحائط وملجإ وملاذ لكل خائف ومرعوب، وهو صلة الوصل بين هذه الكتل البشرية المتناثرة لتحقيق التطلعات الإنسانية.
والله المستعان
أرسل تعليق