الشباب حقل المستقبل وغرسه المثمر
إن الحديث عن الحراك الاجتماعي، والرقي على سلم العمل الحضاري، يفتح الباب على مصراعيه للساعين إلى التجديد، وتحريك مياه البركة الإنسانسية الآسنة، وخلق أجواء ثقافية تدفع الجميع للانغماس كلا حسب إمكاناته ومستواه الإدراكي في المنظومة البشرية، وبمفاهيم جديدة تقوم على الحوار واحترام تباين الآراء والتوجهات، وعدم إلغاء الآخر المتنافس، بما يغير وجهة وتوجهات الحياة الإنسانية، والتفاعل مع كل ما هو جديد، والاستفادة من الخبرات لتوثيق التعاون لمواكبة التحولات والتغيرات المهمة التي يشهدها عالمنا اليوم.
والأجيال الحالية وما يعقبها من أجيال ستعمل على تدعيم علاقاتها مع المجتمعات البشرية، وبما يجلي دورها الرائد في دعم أوجه متعددة من العمل المشترك، ورفع مسيرة رقي الإنسان ومساعدته لخلق مشروع أكبر يجمع الأرواح البشرية والخروج من ظلمة الاغتراب إلى رحاب الأرض الإنسانية التي لا تعترف بالجغرافيا والحدود، في اندفاع النسغ الصاعد بأجمل ما يميز الوفاء الإنساني.
والحياة الكريمة لا تبتسم وسط الزحام الغامض إلا لمن يمتلك زمام مواجهة العالم المعاصر بما يتماشى وحقائق الكون، ومن الوهم إلى الحقيقة، وروح كبيرة تعوض كل منعطفات الضعف، حتى يفك أسر الإنسان، وبما يكمل مسيرة الحياة ومتابعة الطريق الصعب على الصعيد الإنساني وبذلك ستزول علامات التعجب والاستفهام التي أرهقت البشرية، والانتصار بما يبشر بأعمال خالدة لناس يملكون نفوسا كبيرة لا ترضى بالواقع الضيق، ويوقنون بأن وراءهم رسالة كبرى عليهم أن يؤدوها لوضع اللمسات الأساسية لعالم تعاد فيه الأمور إلى نصابها، وإرساء قواعد العدل في رحلة لا تنتهي ما دام هناك ضمائر يقظة، ونفوس كبيرة تعيد ترتيب الأولويات المقبلة.
عصور ولت ذاقت فيها الإنسانية، وذاق مفكروها وأحرارها الهوان، واليوم تلوح بشائر واعدة بأن تكون الكرة الأرضية أرض سلام وحوار يلتقي فيها ذوي النوايا الطيبة من الجميع، بإبداع صادر من التكوين الإلهي لطبيعة إنسان خلقه الله على صورة معينة، ليبقى أثره منارة متألقة في وجدان البشرية المعاصر، ويزول التناقض ما بين الجامد والحياة المتراقصة الزاهية كطريق إلى النضج لتخفق القلوب بين الجوانح حبا وبهجة، تطوي بصوتها اللاحب الأمكنة والأزمنة بالرؤية الثاقبة والبصيرة النافذة.
والبشرية طال ظمؤها للعدل والسلام، فهي تريد تصميما على الاستمرار في العمل لتحقيق الحلم الإنساني، مما يوجب على كل إنسان أن ينظر إلى نفسه، ثم يبدأ بالبحث للتحاور والتشاور حتى يقترب بعضنا من البعض الآخر أكثر، والواجب يحتم على الكل التعامل مع حضارات وثقافات عصرهم المتطورة الراقية، لتأسيس نهضة إنسانية جادة على مسار تقدم مطرد، وكل انفتاح على العالم يفرض أولا وقبل كل شيء ثقة في النفس راسخة ووطيدة، وأن تكون الجدية والصرامة في التقييم والتقويم، والعقلية البنائية في العمل وإلا ضاعت الغاية ومات الهدف، والبشرية مطالبة أن تفتح فيها القلوب والعقول وتترجم الأقوال إلى أعمال لتنفيذ كثير من الأعمال، والغوص في كنه الواقع المعاش مع الناس كل الناس، يطلون على المستقبل ويستشرفون منه ما قد يحدث للإنسانية وأجيالها المتعاقبة، من منافذ يبصرون منها وينبهون للأحداث والعواصف والزوابع التي قد تقع بعصامية يضربونها أمثالا للناس، وتظل الأجيال ترددها، وتبقى خالدة ما بقيت الحياة، تبشر باليقظة الإنسانية القادمة تتفق وحاجات البشرية الجديدة..
والراحة لا تكون لجامد عاطل، فالناس يتقاربون ليتعارفوا، أليس حراما أنه كلما تقاربت أجزاء الأرض، ازدادت شقة الشقاق والتنافر، والمطلوب من هذا العالم أن تتاثر أجزاؤه بعضها ببعض، وتتفاعل بعضها ببعض، وأن تتوثق فيه عرى التفاهم والوفاق والتعاون، ليندمج بعضه في بعض، حراسا لتقاليد الإنسانية السمحة، والمنطق يفرض على الكل أن يعيشوا على مهل ويتفهموا على مهل، وبهذا التمهل يستمتعون بالحياة ويجدون السعادة والبركة في الحياة.
ويا ضيعة البشرية إذا عملت للشيطان لا لذاتها، أما آن الأوان أن يسود بين العقلاء والمفكرين تفاؤل لتحل جميع المشاكل وتشيع في الدنيا الغبطة والسعادة، إن العالم الحديث يبدو مهددا في صميم حياته والبشرية بأجمعها تعاني أزمة صراع المدنية الأنانية المادية المجنونة، حتى لا يكاد الإنسان يجد حجرا يرسي إيمانه عليه في هذه الأجواء التي تتخبط هذا التخبط العجيب، لحضارة لا تحصى مشاكلها، أنى يقال هذه حضارة؟ والحضارة الحقة تنبع من الإنسان وتصب في الإنسان، وللحقيقة والتاريخ فالمحافظة على العلاقة الإنسانية أمانة وتعميق التشاور فيما بين الناس أمانة، والأمة لا تحيا لوحدها فهي لكل الإنسانية، وهذه هي الحياة الممدودة، لذا فأمتنا أمام منعطف صعب ومعقد في مسيرتها مع البشرية، وهي أمة عميقة الجذور ثابتة الفروع طيبة الثمار، وإن أطيب ثمارها هذه الأجيال من الشباب لحبها لكل أبناء آدم وبنات حواء، وشعارنا المرفوع دوما هو الوفاء، ونحن أولى الناس وفاء بالحق نعيش للحق ونموت به، فلنتعاون جميعا على كفالة الحق ليحلق في أفقه العدل الإنساني، ويأوي إلى صرحه الآمن كل مفجوع.
إننا ومهما حصل لا يمكن أن نتنكر لأخوتنا الإنسانية، وأغلى ما نملك من ثروة تخدم البشرية شبابنا لأنهم مادة الحياة وقوة بناء صرح ألإنسانية، بما يحفظ كرامة الإنسان ويحقق للمجتمعات حياة هانئة كريمة، إن محبة الإنسان لأخيه الإنسان ليست كلمات تردد من الأفواه أو تسطر على الطروس وتختفي في الهواء، إنها ترجمة لأعمالنا وسلوكنا، ونتائج ملموسة نتعايش بها مع الآخرين، وتوفير ما يصون أعراض الجميع ويمدهم بكل أسباب الحياة الراقية، فلتكن قضية بناء الشباب القادر على الالتحام بعصره، نجعل أيدينا مع أيديهم لخدمة البشرية، ويد الله فوق أيدينا جميعا، لدعم التكامل المشترك كرصيد يضاف إلى إنجاز من سبقوا بمواقف مشرفة بارزة وحكيمة، لرص الصفوف وتجسيد التضامن الإنساني في أحلك الأوقات وأقساها، بصبر وتبصر.
ورغم تعدد المشارب، وتنوع التناول فحضور المسلمين الشباب في المستقبل هو الشغل الشاغل لكل عاقل وحكيم، والانفتاح على التجاوب هو الذي يفجر الطاقات للحاق بالسابقين، وإذا كانت نهضة الشباب تمثل صحة الجسد الإنساني بمرايا مضيئة ممزوجة بالحب، وليس الافتعال حتى نتعامل مع معطيات العصر وإيقاعه، وحلم المستقبل والتاريخ وإرهاصاته، وموجة جديدة هي جزء من حضارة الإسلام، مما يؤكد معاناة وصمود يلتقي خلالهما الماضي والحاضر والمستقبل في علاقة متجانسة مع كل إنسان ينتمي إلى المنطق الإنساني المتوهج، لابتداع عمل يخلص الإنسانية من خوفها، واكتشاف كم من الأشياء نشترك فيها، إذا كنا نعلم أن الشباب هم حقول المستقبل وهم الغرس والثمر، وبهم تقهر صعاب الحياة، وهم دعاة السلام المنتظر.
أرسل تعليق