الشباب بالإرادة يتخطى الأنفاق إلى الحياة الباسمة..(2)
ومن الصفات المتممة للإنسانية وكمالها، الرجولة الحقة في الشباب، وإيمان لا تزعزعه الشدائد، وصبر على المكاره، وعمل دائب لخدمة الدين والأوطان والإنسان، ومواجهة العقبات والصعاب بنفس صلبة قوية لا تلين، ومن أخطر الأشياء على حياة الشباب، تعلقه بالأوهام فيغرق في بحار الظلمة، وما ملأت الوساوس والظنون حياته إلا تحكمت فيه الفوضى، خلافا للشباب المتمرس على المهام الصعبة والأهداف النبيلة، ولياقة بدنية وعقلية وبصيرة علمية تنتظم التعاون والتعارف بفطرة إنسانية تسوي بين بني البشر بما يقيمهم على أساس من الأخوة العالمية وبما يوسع من فرص السلام، والتمهيد لفتح منافذ حتى تأخذ الإنسانية مجراها الطبيعي إلى الاتفاق على مواثيق معاصرة للبشرية المتحضرة لا شرقية ولا غربية، والنهوض سريعا من الكبوة لإحداث نهضة علمية وطفرة تكنولوجية، لما لهذه الخطوة من أثر هام مع الاستعداد التام للانطلاق الفوري نحو المستقبل.
لا شك أن الشباب كان ولا يزال يؤدي واجبه نحو دينه وأمته والناس أجمعين، ملبيا رغبات واحتياجات الكل، في ضوء متطلبات العصر، وليس من رسالة الشباب أن يكون بمعزل عن الأمة فيضع نفسه في برج عالي ترنو إليه الأنظار ولا تلمسه، وإذا أردتم عطاء تحمدوه مكنوا الشباب ليبذل أقصى طاقاته لفهم الواقع الذي يراد تغييره، ولا تنزعوا الثقة منه، إنهم نواب الأمة والأسباب موصولة بجهادهم، والثقة بأن تمكنهم من توجيه أجيال الأمة إلى خير العمل، وإن رسالة الشباب ودوره معروفان في حمل مبادئ الإسلام إلى الناس عن وعي وبصيرة، لا يبتغون من وراء ذلك جاها ولا ينتظرون أجرا، لذلك فعلى من يهمه الأمر الجلوس مع الشباب للتنسيق، تلك حقيقة لا يماري فيها أحد، فالمسالك مهما كانت وعرة فالشباب بالكفاح يجعلها ممهدة سهلة بالعمل وبالعرق.
والحياة تأبى الطفرة والانتقال المفاجئ، والجديد لا يمكن أن يتحقق إلا بعد مجهود ذهني وعضلي طويل، لكن الرتابة هي الداعية إلى التجديد، وهي الحافز على السعي لبلوغ البعيد، ولقد اكتشف العلم الحديث أن الشباب أقدر وأضبط وهذا سر العبقرية،، وقد حباه الله قدرة في خدمة ألإنسانية وإنقاذها من الضياع والفوضوية، والعقلاء أيقنوا أن للصبر عند الشباب جدواه بل وفعاليته أيضا، وفي كل المواقف والأمور، والصبر في حياة الإنسان مطلب أساسي، بل هي القاعدة المؤسسة، وهو السبيل الذي يوصل إلى بر الأمان..
وعند المفاجآت يتجلى ثبات التحمل لدى الشباب تماسكا وصمودا وقدرة على المواجهة وصبرا على المكاره والمحن، ومنها يتخذ العقلاء دافعا للتصحيح بمفاتيح العلم لمن أراد الحياة الطيبة وبناء صرح الحضارة النافعة، ولا يقوم بذلك إلا صاحب دين متين، وهذا شرف، وأن يكون ذلك الدين هو الحق، هذا شرف أعظم وأكمل، ووعي الشباب بالتاريخ نور رؤية الحاضر واستشراف المستقبل، وفي بداية ألإسلام كان للشباب الدور الأكبر لتغيير طباع أمة عرفت بالقسوة والخشونة، فأضحت في فترة زمانية ماسكة زمام العلم ومبشرة بالمدنية والحكمة، طبعت ذلك بأعمالها الحسنة في نفوس ملكات خير، فكان لها جناحان بهما حلقت في عرض الدنيا وطولها، نور عقلي وتنوير ديني، وإن نجاح أي منهما في عالمنا المعاصر متوقف على نجاح الآخر، لذلك فنحن مطالبون بأن نفهم الإسلام، ومطالبون بأن نفكر وأن نستفيد لأفكارنا من علم وتقنية العصر الذي نعيش فيه.
نريد من شبابنا أن يكون مدرسة تنتقل بالبشرية من دور الجمود والتدابر، إلى دور تحريك العقول والإرادات الآسنة، لتبتكر وتحلق في عالم التطور، والتصرف بما يجدي الناس أجمعين، فهو الآن اجتمعت له خصائص ومزايا تفرقت عبر العصور والأزمنة، نريده شبابا يقرأ لأبي عبيدة بن الجراح وصلاح الدين ألأيوبي وموسى بن نصير وطارق بن زياد وغيرهم كثير، لتتحرك الهمم والقلوب، منتصرة على ألأنانية والتواكل والتخاذل والتقاطع، يقود ويشجع العاملين، ومن حق الشباب علينا أن نتوقف طويلا أمام حركاته الفاعلة لصياغة أمجاد ستظل تتبناها الأجيال جيلا إثر جيل.
وفي كل قطر من أقطار الدنيا فالشباب هو لسان الأمم، بل هو الحياة الشاخصة أمام الأبصار والأسماع، تبشر بربيع رياض الحضارة الزاهية، يغير من مسارها ويبدل من مجراها بمياه ريانية في شرايين الإنسانية اليابسة، والغوص إلى الأعماق البعيدة والأغوار السحيقة، كترجمان حقيقي للإسلام السمح المعبر عن آمال وآلام الإنسانية، وإن شئت فهو سورها المحصن، والمدافع عن البشرية الضائعة في دروب التصارم الحارق الماحق، وهو تلك الورود المتمايزة والأشجار المثقلة بالثمار التي تشكل بستان الإنسانية الموعود، لإعادة الحياة والحيوية لهذا الجسد البشري الشائخ الداخل في طور الانحلال والنضوب، وأخشى إن لم يتدارك الشباب هذه المأساة الإنسانية من جفاف القلوب أن تشيع جنازة الكل إلى مثواها الأخير، والأمل في الله سبحانه أن يكون الشباب صمام أمان جديد لحفظ الجنس البشري، ومسك الختام قول الله تعالى: “إن الذين ءَامنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم” [يونس، 09].
والله المستعان
أرسل تعليق