إن هبة الحياة هي أهم وأغلى وأثمن ما في الشباب الذين هم الحياة، في أحاديثهم، وفي أعينهم تلك الرسالة التي يريدون نقلها إلى الآخر، بمشاعر وأحاسيس وأسلوب يرضي الناس كل الناس، ويوقظ فيهم الإدراك والفهم لصور الحياة، وفتح الأبواب الموصدة لمواجهة قسوة الحياة، فبعض هذه الأبواب كثيرا ما تخفي وراءها أجمل وأروع ما يأمل الإنسان في تحقيقه، عوض هذه المعاملات القاسية والوجوه الشاحبة، وثرثرة لا معنى لها ولا حس فيها، وأنا أحيي صمود الشباب الرائع وجهاده الدؤوب، كما أحيي فيه وقفة العز الأصيلة، التي تعتبر حجر الزاوية في صرح التطوير الجديد، وارتباطه بالقضايا والأحداث المعززة بهذا الارتباط الإنساني، وهموم البشرية، والعمل على توطيد العلاقات البشرية بما يحرك عجلة التقدم الحضاري إلى الأمام.

ومن سمات عصرنا البارزة الحوار المنظم بين أصحاب الأفكار الذين رأوا أن البشرية عاشت أزمانا طويلة، في سوء ظن وتناقض شديد مع التجارب الممتدة عبر التاريخ في صراع ساخن ومعارك مستمرة، فاقتنعوا بعدم جدواها، لذلك وضعوا النقط على الحروف، غير عابئين بإرهاب المرهبين ولمز اللامزين، ارتفعوا بها فوق صخب الصاخبين والمشاغبين، فوجدوا في الحوار مدخلا لجلب المصالح ودرء المفاسد، وتثبيت ما ينفع الناس، فوجدوا أنفسهم في قلب معركة لجهود متضافرة خالدة، لاستثمار التعارف الإنساني لقوى الكون وتعمير الأرض بما ينفع الناس، وبداية طريق التعاون البشري والسعي الجاد لتدعيم كل ما هو إيجابي، وتحقيق الأماني الإنسانية لكل الشعوب، والغرس الصالح اليانع المثمر، وتصحيح ما أفسده الزمن، وكسح ركامات الفساد والمفسدين، وتجديد خلايا جسم البشرية تدريجيا وليس طفرة، إنه تطور مستمر طلبا للخير الأعم، خير كل الناس لا خير شخص منفرد..

والنهضة الجديدة تبدأ مع استعادة الذات ومواجهة تحديات الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، وأنه لم يعد هناك مجال لتملق الذات والرضا عن النفس وإلقاء كل المسؤوليات على الآخر، إنما صار المطلوب دون أن نتنكر لمميزاتنا الأصيلة التي رفعتنا مع كل الناس يوما إلى القمة أن نعرف عيوبنا وما ينقصنا، وبغير ذلك لن نحل مشاكلنا التي ما زالت مستعصية، ولن نقتحم الآفاق التي يمكن أن نقتحمها، ولن نأخذ مكاننا اللائق بنا تحت الشمس.

إن مرحلة تنتظرنا لنقوم من رقادنا الطويل، ومن عثرتنا الحضارية، وإعادة تقييمنا لمكاننا ومستقبلنا الممكن في هذا العالم، كما أن الهزة العالمية جدير بنا أن نستخدم آلياتها، بأسلوب علمي، بحيث لا نترك للتخلف يمحو وجودنا يوما بعد يوم أما آن أن نكون ذلك المؤمن العلم الباحث عن المعرفة لنعرف شيئا عن كل شيء وكل شيء عن شيء، ومهما يكن من أمر فلابد من خيارات جديدة ومواقف مقدامة تُعبد الطريق لحوار بين الناس، والزحف بخطوات سريعة وأكيدة للبحث والمناقشة حتى نسهم في كسر شوكة التصارم، وأنا من الذين يميلون إلى الظن بأن الجيل الحاضر قد أخذ بالفعل يتجه هذا الاتجاه وبخطى سريعة، لهدم كل معالم الشك بين الإنسان وأخيه الإنسان، ومغادرة الظلام الدامس، وتمسكهما بخيوط من النور الإلهي، والدخول في عصر من الوئام والوفاق، بما يجمع الأجناس المتباينة، للعمل معنا ويعيش الكل وسط الكل، وبما يرضي كل الأذواق، وهي فرصة يجب ألا تضيع لإنقاذ البشرية من صراعها المرير الذي امتد قرونا وأحقابا، ولا ننسى أن العلم والتكنولوجيا الحديثة أقاما جسرا من التفاهم بين الأجيال الشابة في القارات الخمس الذين بدأوا يعلمون أن أملهم في السماء عسى أن يكتب الله للبشرية الهداية.

والإنسان الذي يكره الناس ويبني علاقاته معهم على البغضاء والحقد يفقد سمة من أسمى سمات الإنسانية، وعنصرا جوهريا من عناصرها، لذلك فالإنسان بحاجة وخاصة الشباب إلى أن يحب الآخرين وأن يعطيهم ويضحي في سبيلهم، والمحبة هي الشيء الوحيد في دنيا الناس، تتعاظم كلما بذلت منها المزيد، وبالحب نخرج من فكر الإخفاق إلى فكر الانبعاث الحضاري.

وأمتع لحظات الشباب هي تلك التي يقضيها مع ثلة من الشباب الآخر الذي يبادله نفس الشعور والإحساس الإنساني، بأفكار جديدة وعين فاحصة مدققة وكأنه يعانق أجمل ما في الوجود، ذلك الذي يبحث في أوقات فراغه لتفريغ راوسب الماضي ليفسح مكانا مناسبا في قلبه للآخرين، يحس بفرحة لا تعادلها فرحة، وهي المحطة التي يتوقف عندها كالجواد المتعب لكي يستريح، ثم لا يلبث إثرها أن يستأنف نشاطه مع خلان جدد في أطول رحلة في تاريخ البشرية، ومنصهرا معهم في بوثقة واحدة، واسألوا إن شئتم الشباب فقد تجدوا عنده الجواب لما تسمونه أنتم مشكلة تسبب لكم الآلام، بينما يبقى الجمال الإنساني حيا لا يموت أبدا في صدور الشباب، لأنهم صناع هذا الجمال الذي يملأ كل الأرجاء، بل هم صناع النغم الإنساني كله وضباط النغم كله، مهما تعددت أوتاره فضلهم غير منكور، ليدرك قومنا بعد كل هذا أن الدنيا في سباق مع الزمن تحتاج إلى مضاعفة الجهد.

 والله المستعان