الشباب المسلم من فكر الإخفاق إلى فكر الانبعاث الحضاري..(1)
لم ننس ونحن في غمرة التجديد والتطوير، أن يكون الإنسان هو الجسر الذي يربط بين القارات الخمس، ذلك لأنه العنصر الفاعل الحاسم لضم المتناقضات لخدمة البشرية، ويعلمها كيف تعيش وتفكر، وتحويلها إلى ورشة عمل لمناقشة وتطوير هذا المزيج العجيب من الناس الذين يمكن أن يشاركوا في بناء صرح إنساني على وجه الأرض وتحت الشمس، التي يجب أن تذوب في دفئها هذه الأجناس المتباعدة، ومن أجل مواكبة التغيير والتطوير الزاحف لتحقيق مستقبل إنساني مشرق وآمن.
وإن هم التوفيق الخروج من فكر الإخفاق إلى فكر الانبعاث الحضاري، يدفع بالناس إلى التوافق ليصبح الحوار مجديا ويستجيب للتطلعات الإنسانية. ومن هذا المنطلق نحن لا نستطيع أن نقول أننا نجحنا تماما في هذا المجال، ولكننا نثبت للدنيا أيضا لسنا فاشلين، وهذا شئ طبيعي ولعل في استطاعتنا أن نحقق نجاحا لا بأس به للعمل على غرس التسامح الديني في النفوس ونشر روح المودة بالإقناع والاقتناع، والذي لاشك فيه أن التسامح الديني والوفاق لم يتحققا في يوم وليلة، ولكي تمارس الأجيال الشابة دورها وتعمل لتطمئن إلى يومها وغدها، فإنها تحتاج إلى رعاية لإنشاء هيكل البناء الإنساني من القاعدة إلى القمة، وهكذا يبدأ جيل جديد من الشباب يسير في طريق آخر، في الطريق الجديد إلى المستقبل، وما أشبه حاضرنا اليوم ببارحة الآخر في قيد العصر الوسيط الذي صهر في قيده كل معاناته فأنجز كل جديد.
والقيد الثقيل دفع الآخر إلى الإبداع والابتكار بدقة الفعل وروعة الاسلوب، وحلاوة الإنجاز، وبالوسائل البرية والبحرية والجوية بعلم يتقوى به التواصل بين بني الإنسان، وتتسع دائرة الحوار وتتنوع موضوعاته لذلك قال العقلاء: ما أمتع الحوار وما أعظم جدواه، وما اشد أمة الإسلام وحاجتها إليه وإلى إتقانه؛ لأن لغة الحوار تتفاوت بحسب أهدافه، فهي في حوار الاكفاء غيرها في حوار الأجيال وغيرها في حوار العقل والقلب، وأنه آن الأوان لكي تربط الأجيال الشابة لهذه البسيطة بعضها ببعض، الحاضرر بالمستقبل ووضع تجارب الأمس سلاحا لا غنى عنه لاستمرار التقدم، حتى يتحقق للجميع الشكل والكم والمضمون، وضرورة التحديث وإن طال السفر وتعددت المتاعب والصعوبات، وأبناء الإسلام كسائر البشر في هذه الحياة عليهم ان يتلمسوا الوسائل التي تريحهم من المتاعب وتبعد عنهم المعوقات والمثبطات، أو على الأقل التخفيف منها، ولإرساء التوازن في النفس والمجتمع والعالم بقدر في طاقاتنا البشرية وطبيعة الحياة في دنيانا، وبقدر ما يترك المسؤولون للأجيال فسحة تجد خلالها الطريق لمواصلة التطور فتستطيع التقدم إلى الأمام.
وأما النهج السديد هو مخاطبة هموم الناس وانفعالاتهم بما يؤدي إلى الإخلاص في طلب الحقيقة، وإقامة الحق لمنافع كثيرة، نفسية وسلوكية، فردية وجماعية، بسعي دائم وعمل متواصل متصل، في فهم حاجات العصر وتطبيق آلياتها والعمل بها في هذه الحياة بما يلائم المجتمعات البشرية ونواميس الكون المادي والفطرة الإنسانية، وبذل الجهد وإفراغ الوسع في فهم الواقع من أجل المسعى النبيل الذي به تتواصل حلقات ركب الحضارة الإنسانية، وحتى لا يتوقف الإنسان في مسيرته بطرا أو يأسا، لاستثمار كل مورد ثروة في الكون.
وليس من المستغرب إذا رأينا المعاصرين يعلون من مقام العمل لاكتشاف أسباب التقدم، بالاطلاع الواسع والانتاج المتنوع، واستعمال الدلائل والقرائن لرسم خريطة بما يشكل عنصرا هاما يهم الحياة اليومية لكل الناس، وبما يثير اهتمام الأجيال الإنسانية أيا كانت ميولاتهم واتجاهاتهم ومواطن سكناهم، وليعلم الجميع أن المبالغة في الالتفات إلى الماضي والإغراق فيه سوف يسد الجميع عن الاهتمام الكافي بالمستقبل ومتابعة ما يمكن ان يستجد فيه من مشاكل وتعقيدات برؤية شاملة لمواضع الخطأ والصواب، والتحول إلى موقع أكثر علمية وإيجابية وانفتاح، بدل أن نظل في مواقع الاتكالية والانتظار.
وحجر الأساس للتقدم الحضاري هو إيجاد الإمكانيات للتسيير الذاتي من الشباب لتكوين صورة حية لحياة معاشة وأحداث معاينة لأن فيها وحدها المتنفس الحقيقي لهمومهم وأحلامهم وما يمكن أن يعتمل في نفوسهم وآنئذ يعرفون ما هو الواقع وما هو المستقبل، والشباب هو القادر على تحديد الشكل الحضاري الذي ينبغي أن يساهم فيه مع رحلته الكونية التي بها يقتحم آفاق حياة معاصرة، والقضية في ذاتها امتحان حقيقي لاختراق الحلقة المفرغة من التخلف والمآسي ومن شتى أنواع الاحباط التي تحاصر الإنسان وتكاد تزهق روحه.
وإن الإحساس المتزايد بشدة حاجة الدنيا من حولنا إلى نور الإسلام وعقيدته الصافية، ونزعته الإنسانية السمحة، وانسجاما مع الكون ونوامسه لقلع كثير من أسباب الفصام والقلق وهما أخطر آفات العصر، والإحساس المقرون برؤية تعاظم موجة التمرد للأجيال الجديدة من الشباب المطالب بوضع حد لهذه المهاترات العقيمة لتيارات متباينة، وهذا الشتات العجيب الذي يناقض بعضه بعضا، وهذا الصدام المدمر بين المتنافسين، أفلا تستحق كل هذه القضايا جدالا بالتي هي أحسن مع عناصر التخلف والجمود والانحراف ..
يتبع..
أرسل تعليق