الساعة البيولوجية
يتوفر دماغ الإنسان على ساعة بيولوجية في مركز يسمى؛ مركز سبركيزمتك بمنطقة تحت المهاد “noyausuprachiasmatique de l’hypothalamus” وهو ينظم العديد من الوظائف الفيزيولوجية كالحرارة ونشاط القلب، وعمل الكليتين، وإفراز الهرمونات، والشعور بالنوم واليقظة. ينتظم عمل هذه الساعة على فترة تقدر بحوالي 24 ساعة، وهي تتأثر بشكل كبير بتعاقب ضوء النهار وظلام الليل.
الميلاتونين: هرمون ضبط الدورة البيولوجية
لقد اكتشف العلماء أن الضوء الشديد الذي يعبر شبكية العينين، فيَصل على شكل إشارات إلى الدماغ عند مركز الساعة البيولوجية؛ يحدث كبت إفراز هرمون الميلاتونين la mélatonine لذلك يكون الجسم في حالة اليقظة، في حين أثناء نزول الظلام يبدأ هذا الهرمون بالإفراز الشيء الذي يؤِدي إلى الشعور بالنوم. يعاني المسنون من قلة النوم وهذا راجع إلى حالة الشيخوخة التي تصيب الساعة البيولوجية، حيث يقف عمل الكثير من خلايا المركز الدماغي لهذه الساعة، إضافة إلى ضعف استقبال الضوء من طرف عدسة العين مما يسبب خللا في توازن الدورة البيولوجية.
يلعب هذا الهرمون دوران أساسيان:
• إعلام الدماغ بوصول وقت الليل وذلك بإفرازه؛
• إعلام الدماغ بدخول فصل الشتاء حيث تكون مدة إفرازه أطول أثناء الليل.
أهم التغيرات البيولوجية بين الليل والنهار
قال الله عز وجل: “قُلْ اَرَاَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا اِلَى يَوْمِ اِلْقِيَامَةِ مَنْ اِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَاْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ اَفَلاَ تَسْمَعُونَ قُلْ اَرَاَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا اِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ اِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَاْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” [سورة القصص، الآيات: 71-73]؛ فإن من رحمة الله عز وجل ورفقه بعباده أن قدر هذا التعاقب من ليل ونهار وذلك تماشيا مع بنية الجسد ونظامه البيولوجي.
فما هي أهم التغييرات التي تطرأ بين الليل والنهار؟
• عند دخول الليل يزداد إفراز هرمون الميلاتونين، وتبدأ درجة حرارة الجسم في الانخفاض، وينقص ضغط الدم كما تنخفض دقات القلب، وينشط الجهاز المناعي بتزايد عدد الخلايا اللمفاوية فيتزايد تختر الدم، وبالتالي يكوم الجسم في حالة استرخاء.
• بينما مع بدء النهار قبيل طلوع الشمس يرتفع تدفق هرمون النشاط الكورتزون cortisone وسروتونين sérotonine فيتزايد نشاط كل من الجهاز العصَبي والدوري والتنفّسي، وتزداد حاجة الجسم إلى الكربوهيدرات وفي مقدمتها السكر، وينشط تحليل كل من البروتينات والدهون لتعطي الطاقة والنشاط للجسم.
• في وقت الزوال يكون هرمون التوتر الأدرنلين adrénaline مازال مرتفعا فيشعر الإنسان بالتوتر حيث يقوى إحساسه بالجوع، ويتزايد الضغط الدموي بعد الزوال ليصل إلى ذروته، وترتفع درجة حرارة الجسم.
لقد خلق الله عز وجل هذه الساعة التي تُنظم بدقة بالغة وظائف الجسم بتناغم وتوازن، وذلك في تناسق مدهش مع تعاقب الليل والنهار.
الساعة البيولوجية وأوقات الصلاة
إن الاستيقاظ قبل صلاة الفجر لسنة معجزة يشهد لها ما توصل إليه العلم البيولوجي الحديث؛ لأنها سُنة تتماشى مع التغيرات الفيزيولوجية التي تحدث في الدورة اليومية. بيد أن هرمون التوتر الكورتزون cortisone يبدأ في التدفق منذ الساعة الثالثة صباحا ليعلم الجسد عن ابتداء يوم جديد، فيبدأ بصرف الطاقة التي يوفرها هذا الهرمون، حيث يستيقظ على إثره العبد المؤمن ليستهل يومه بعبادة ربه والاستسلام له، فيجدد توكله عليه ويوحده منذ الساعات الأولى من يومه الجديد.
يقول الأطباء إن النوم في وقت الفجر يؤثر سلبا على أداء أجهزة الجسم. كما تبت علميا أن النوم لساعات طويلة يسبب أمراضا خطيرة أهمها الأورام السرطانية والموت المفاجئ. قال الله تعالى: “وقرءان الفجر إن قرءان الفجر كان مشهودا” [سورة الاِسراء، جزء من الآية: 78].
إن توافق عمل الجوارح مع الدورة البيولوجية يكرس توازن الجسد، ويحافظ على استمرارية عمل الأعضاء في تناغم فيزيولوجي مستمر. لقد تبين أن التعرض للأشعة الضوئية مبكرا، ينقص من مدة إفراز الميلاتونين، هرمون النوم، فيستيقظ المرء نشطا وحيويا.
كذلك نلاحظ أن من سنة نبينا الكريم القيلولة بعد صلاة الظهر، حيث كان ينصح بها فقد جاء في الحديث عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “قيلوا فإن الشيطان لا يقيل” [رواه الطَبَراني في الأوسط وأبو نعيم في الطب]، والقيلولة تزيل التوتّرات الناتجة عن النشاط الصباحي، وما يصاحبه من إفرازات للهرمونات المعينة عليه، وتعطي لجسم الإنسان الفرصة لأخذ قسط من الراحة.
ونجد أن صلاة العصر تتوافق مع وقت يكون فيه مستوى الأدرنلين في القمة، فالجسد حينئذ يكون في أعلى مستويات التوتر، قال رب العزة: “حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين” فالوضوء والصلاة يساعدان على خفض نسبة التوتر ثم الاسترخاء.
إن من أهم المهام التي تقوم بها الدورة البيولوجية هو تيسير التأقلم مع المحيط الخارجي، فمهما كانت الساعة الفيزيولوجية قريبة من الإيقاع المحيطي كان الكائن الحي منسجما ومتأقلما مع بيئته، وهذا دليل على تسخير الله سبحانه وتعالى الليل والنهار للإنسان. قال الله تبارك وتعالى: “هُوَ الذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ ءلايَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ” [سورة يونس، الآية: 67].
المراجع:
1. زغلول النجار، “وجعلنا نومكم سباتا..” مجلة حراء، العدد 3، ص: 17-19، أبريل-يونيو 2006م.
2. عبد الدائم الكحيل، كثرة النوم والموت المفاجئ، مجلة أما بعد، العدد الثالث، ص: 21-22، أبريل 2010م.
3. B. Claustrat. Mélatonine et troubles du rythme veille-sommeil Médecine du sommeil 6, 12-24. 2009
4. Huges Dardente et Nicolas Cermakian. Les noyaux suprachiasmatiques : une horloge circadienne composée. Medecine sciences, vol :21, n°1, p66-72, 2005.
-
شكرا لكي أختي إيمان بارك الله فيك وفي قلمك
-
سبحان الله
جزاكم الله خيرا على هذا المقال.
التعليقات