الزمن
لقد لاحظ الإنسان منذ القدم أن جريان الشمس في السماء وتعاقب الليل والنهار وكذا تعاقب دورة الفصول الأربعة تُحاكيها تحولات وتغيرات وتطورات تحدث في محيطه وذاته، وانطلاقا من هذا الشعور تَكون لديه مفهوم الزمن، وقد أطلق على ظاهرة تعاقب الليل والنهار مفهوم اليوم، وتعاقب الفصول مفهوم السنة.
وقد حدد الدكتور محمد باسل الطائي المتخصص في نظرية المجال الكمي ونظرية النسبية العامة نوعان من الزمان هما الزمان الفيزيائي المحسوس القابل للتقدير، والزمان النفسي الذي تعيشه النفس البشرية في عالم ما بعد الوعي أو عالم الغيب كما يحصل في حالة النوم أو الغيبوبة أو الموت.
والزمان في التصور الفيزيائي الكلاسيكي ليس شيئا مجردا قائما بذاته بل به اتخذ مفهوم السرعة معناه باعتبار نظرية نيوتن في الحركة، فالسرعة هي مقدار المسافة المقطوعة خلال فترة زمنية محددة. والزمان قابل للتجزئة إلى أجزاء متناهية في الصغر لأن الفيزيائيين الأوائل اعتبروا أنه مستقل عن المكان، بمعنى أن الزمان يبقى نفسه بالنسبة للكل، وفي أواخر القرن التاسع عشر وجد العلماء الفيزيائيين أن هذا المفهوم لم يعد صالح لتفسير ظواهر اكتشفت في النصف الثاني من ذلك القرن.
وقد قررت نظرية أينشتاين -للنسبية الخاصة 1905- أن الزمان نسبي، وبأنه يشكل مع المكان متلازمتين بحيث يعتمد كل منهما على الآخر على شكل الحدث الزمكاني، ومن ثم فقد الزمان النيوتني المطلق معناه. من خلال هذه المقاربة يمر الزمان بصفة مختلفة بحسب إذا كنا في راحة أو حركة إضافة إلى ارتباطه الوطيد بالمكان، أصبح الزمان يعتبر بعدا رابعا أضيف إلى الأبعاد المكانية الثلاث (الطول، العرض والارتفاع) الشيء الذي ساعد على تفسير ظواهر كونية كانت من قبل غامضة. بتعميم نظرية النسبية 1916 استبدل الزمكان المسطح بآخر مُنحني أو محدب آخذا بعين الاعتبار مجالات الجاذبية، بحيث يكون الزمان أطول كلما كانت الجاذبية أقوى.
طرحت هذه المقاربة إشكالية الاختلاف القائم بين المفهومين، فإذا كان عبور الفضاء ممكنا من كل الاتجاهات؛ فإن الزمان لا يسير إلا في اتجاه واحد! ورغم أن قوانين الفيزياء المجهرية توصف بأنها عكسية بحيث يمكن لظاهرة ما أن تحدث في اتجاه أو الاتجاه المعاكس، إلا أننا نرى الواقع مخالف تماما لهذا المعطى فعندما ينكسر الزجاج لا يرجع إلى حالته الأولى لوحده كما أنه لا أحد يموت قبل أن يولد ومستقبل الكون لا ينعكس.
يفسر الفيزيائي –Ludwig Bolltzman– هذا التناقض بوجود عدة ترتيبات ممكنة للعناصر الدقيقة المكونة للزجاج في حالته المنكسرة بدلا من الحالة السليمة، لذلك فهذه الأخيرة تعد حالة غير مستقرة والانكسار يؤدي إلى حالة الاستقرار، لأنه الأكثر احتمالا، ومن ثم نفهم وجود سهم الزمن!
تضمنت المفردات الدالة على الزمان في القرآن الكريم كلا النوعين أي الزمان النفسي، والزمان الفيزيائي، وخير مثال على ذلك قصة الرجل الذي أماته الله مائة عام (الزمن الفيزيائي) ثم بعثه وهو يعتقد أن موته لم يستغرق إلا يوما واحدا أو بعض يوم (الزمن نفسي)، قال الله سبحانه وتعالى “أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر اِلى حمارك ولنجعلك ءايةً للناس وانظر إلى العظام كيف ننشرها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير” [البقرة، 258]. عاش الرجل زمنا نفسيا أثناء موته قدره بيوم أو بعض يوم في حين مرت مائة عام وأصبحت عظامه نخرة.
في الحقيقة نجد أن هذه القصة تُظهر الإعجاز الإلهي في حدوث الزمانين النفسي والفيزيائي معا في مكان واحد لكن في عالمين مختلفين. فالميت يكون في اللازمان، لأنه منفصل عن العالم الفيزيائي لذلك لا يكاد يشعر بأي زمان بعد موته، وهذه الحالة يستوي فيها الميت والحي عند نومه، فالنائم لا يشعر بالزمن إلى أن يستيقظ، قال الله تبارك وتعالى “الله يتوفى الاَنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاُخرى إلى أجل مسمى اِن في ذلك ءَلايات لقوم يتفكرون” [الزمر، 39].
المراجع:
1. محمد باسل الطائي، صيرورة الكون، مدارج العلم ومعارج الايمان، عالم الكتب الحديث، الطبعة الأولى 2010.
2.Mathieu Groussou, le sens du temps est un casse-tête, Science et vie Hors série, Septembre 2012.
أرسل تعليق