الرضا بالله
قال الله تباركت أسماؤه: “إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون” [سورة يونس، الآيتان: 6-7].
قيمة الأعمال ومقاديرها عند اله جل وعلا بحسب قلوب العاملين، فما صدر عن الزاهدين في الدنيا من عمل طاعة، وإن كان قليلا في الكم والعدد فهو كثير على التحقيق، وما صدر عن الراغبين فيها من صنائع المعروف وعمل البر، وإن كان كثيرا في العدد فهو قليل على التحقيق، وذلكم لأن الزاهدين سلموا من الآفات التي تقدح في إخلاص أعمالهم من مراءاة الناس، والتصنع لهم، والاطمئنان إلى الدنيا، فتحصل لهم رضا الله وقبول الأعمال منهم. والله تبارك وتعالى إنما يتقبل من المتقين، ولذلك كان علي رضي الله عنه يقول: “كونوا لقبول العمل أشد اهتماما منكم بالعمل؛ فإنه لن يقل عمل مع التقوى، وكيف يقل عمل يُتقبل!”.
وقد وصف تبارك وتعالى ذكر المؤمنين بالكثرة لما تضمنه من وجود عنصر الإخلاص، وعدم رياء الناس فقيل في قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا” [سورة الأحزاب الآية 40] كثيرا يعني خالصا فسمى الإخلاص كثيرا، وهو ما أخلصت فيه النية لوجه الله العظيم، ووصف ذكر المنافقين بالقلة لما اشتمل عليه من فساد القصد، وعدم الإخلاص، ووجود رياء الناس، فقال جل شأنه: “يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا” [سورة النساء، الآية: 142].
وقال عبد الله بن مسعود لبعض التابعين: “أنتم أكثر أعمالا واجتهادا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم كانوا خيرا منكم، قيل: ولم ذلك، فقال: كانوا أزهد منكم في الدنيا”، وقال أبو سليمان الداراني: “سألت الكرخي رضي الله عنه عن الطائعين لله بأي شيء قدروا على الطاعة؟ فقال: “بإخراج الدنيا من قلوبهم، ولو كان منها شيء في قلوبهم، ما صحت لهم سجدة”، وشكا بعض الناس لرجل من الصالحين أنه يعمل أعمال البر، ولكنه لا يجد حلاوة ذلك في قلبه، فقال له: لأنه تسكن عندك بنت إبليس وهي الدنيا، ولا بد للأب أن يزور ابنته في بيتها وهو قلبك، ولا يُؤثر دُخوله إلا فساداً”.
وقال أبو طالب المكي روينا عن رابعة العدوية، وكانت إحدى المحبين، وكان سفيان الثوري يسمع منها، ويُسلم قولها، وكان من كبار فقهاء الكوفة، قال لها ذات يوم: علمينا مما أفادك الله من طرائف الحكمة، فقالت له: “نعم الرجل أنت لولا أنك تحب الدنيا”.
إن للجزاء على أي عمل أمارات وعلامات أبرزها الثمرة، كما قال السيد المسيح عليه السلام: “من ثمارهم تعرفونهم”، وذلكم دليل القبول وعلامته ومقدمته. وثمرة العمل الصالح ما ينشأ عنه من المصالح والفوائد في المعاش والمعاد، وذلك يدور على ثلاثة أمور:
• أحدها: حصول البشارة بزوال الخوف والحزن لقوله تعالى: “ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة”. [سورة يونس، الآية: 61-62].
• والثاني: الحياة الطيبة بالرضا لقوله تعالى: “ومن عمل صالحا من ذكر وأنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة” [سورة النحل، الآية: 97].
• والثالث: ظهور سر الخلافة والتمكين لقوله سبحانه: “وعد الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الاَرض وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا”. [سورة النور، الآية 55].
وفي الحديث الصحيح قول الصحابي: “فمنا من أينعت له ثمرته فهو يهديها، ومنا من مات لم يستوف من أجره شيئا “. ومن الصنف الثاني مصعب بن عمير رضي الله عنه، كان شابا وسيما ذا نعمة، أسلم في مكة وزهد في نعيم أسرته، فلما علموا به آذوه وقهروه على الكفر، فهرب مهاجرا إلى الحبشة، ثم رجع ثم هاجر إلى المدينة، وشهد بدرا، واستشهد وهو يحمل اللواء يوم أحد، قال خبّاب بن الأرت: “هاجرنا مع رسول الله نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله، فمنا من مضى ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد، فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة، فكنا إذا وضعناها على رأسه تعرّت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه برزت رأسه، فقال لنا رسول الله : اجعلوها مما يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من نبات الإذخر.
ومن طيب الحياة، أيها الفاضل، ونعمة القبول وجود حلاوة الطاعة؛ ويكاد يؤول معناه إلى حقيقة الحقائق وهي الرضا بالله تعالى، والتحلي بما يرضيه عنك، ويردك إليه، والدوام على ذلك حتى تلقاه بلا تغيير ولا تقصير.
وإن أردت أن تعرف قدرك عنده فانظر في ماذا يقيمك، وإن أردت أن تعلم مالك عند الله فانظر ما لله عندك، فإن الله ينزل العبد حيث ينزله العبد من نفسِه. وإلى هذا المعنى يشير الفضيل بقوله: “إنما يطيع العبد ربه على قدر منزلته منه “. وإن المنازل على قدر مراتب النازل:
فإن وجهك للدنيا، وابتلاك بحبها والاطمئنان إليها فقد أهانك، وإن شغلك بالخلق عنه فقد صرفك، وإن وجهك للعمل فقد أعانك، وإن فتح لك باب العلم فقد أرادك، وإن فتح لك باب مناجاته فقد قربك، وإن واجهك بالبلاء فقد هداك، وإن صرفك عن الأغراض فقد أدبك، وإن رضيت به، ورضيت عنه فيما قدر عليك وقضى، فقد فتح لك باب الرضا عنه، “رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه“.
فالرضا بالله، والرضا عنه، هو أعظم الأبواب وأتمها وأكملها كما قال عبد الواحد بن زيد: “الرضا باب الله الأعظم، ومستراح العابدين، وجنة الدنيا “. فأجل المنازل كلها، وغاية المنى التي تتقطع لها أعناق العاملين: منزل الرضا، وعلامته إخراج الدنيا من القلب، والأنس بالله ورجاء لقائه والصدق في عبادته، وإن شئت الاختصار، قلت: الطاعة والغنى به، ومتى رزقك الطاعة والغنى به والرضا عنه، فاعلم أنه أسبغ عليك نعمه ظاهرة وباطنة.
-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
البعض قد يقرأ هذا المقال فيقول: وماذا في هذا الأمر كلنا والحمد لله نرضي الله سبحانه، والموضوع واضح ولايحتاج كلاما؛ لأننا جميعا نحب أن نرضي الله، وإرضاء الله هو محور حياتنا وقضية عمرنا..
ياترى هل هذا هو الواقع في علاقتنا مع الله؟
هل نحن نكون دوما حريصين على ارضاء الله بكافة الوسائل
ولو كنت أتمنى شيئا والله سبحانه وتعالى يحب شيئا آخر فكفة من هي التي سترجحها؟ هل إرضاء الله تعالى أم هواك ومزاجك؟
فلننهض لإرضاء الله عزوجل بترك معصية أو فعل طاعة أو بصلة رحم إرضاء لله تبارك وتعالى.
التعليقات