الرسالة المثالية
كانت الرسالة الإسلامية ظاهرة متميزة في التاريخ مهما بحثنا عن شبيه لها في الشرق والغرب، في القديم والحديث فلن نجد لها مثيلا.
وأعظم آثارها هو التغيير الخلقي الذي أحدثه محمد صلى الله عليه وسلم بعمله ومثله وشخصه، وأحدثه بمبادئه، فكان نتيجة ملازمة ومباشرة لدعوته، وهو أساس مراتب الإصلاح؛ لأن صلاح الفرد أساس صلاح الجماعة.
وقد تمثلت الأخلاق الفاضلة في شخصه الكريم، فالصدق والبر ومعرفة الواجب وأداؤه والحلم والحياء والصبر والشجاعة والعزة والتواضع والعفة والوفاء كل أولئك كان بعض صفاته البارزة التي قربته إلى القلوب فتعلق الناس به، وتركوا في حبه جاهليتهم وآباءهم وأبناءهم.
وقد أدرك العلماء من غير المسلمين هذه الحقيقة في شخصه ولكنهم لم يوفقوا للإيمان به رسولا من الله تعالى، ولعل ذالك أثر من أثار البيئة فيهم. وهاهي ذي القرون تتتابع وتتوالى وأخلاق محمد صلى الله عليه وسلم من الواضح والقوة بحيث لا يستطيع آن ينكرها عليه جاحد برسالته.
لقد كان لمُثله العليا أكثر الأثر في التغير الروحي والخُلقي الذي ثم في أيامه وبعد وفاته، وكذالك كان أثر المبادئ التي سنها والعقيدة التي دعا إليها، فمبادئ المساواة والإخاء والعدالة والحرية التي جعلها أجزاء متممة للإيمان قد فعلت فعلها في إصلاح الأخلاق والسمو الروحي للجماعة.
وهكذا سمت عقيدة الإيمان بالروح البشرية ووجهتها إلى الخير العام وقصد وجه الله القدير الذي بيده كل شيء. والذي يدين بهذه العقيدة لا يكذب لأن الكذب لا يخفى على الله، ولا ينفع صاحبه فصار الصدق من دعامات الأخلاق، وصار الرياء والنفاق يبعدان عن الله، ولا يكسب الأعمال إلا بوارا، واستحال ذالك على المسلم أن يكون كاذبا ومرئيا.
والمؤمن بهذه العقيدة لا يكون جبانا، بل يدفع شرور الحياة عن نفسه وعن الناس بحياته، والمؤمن الشجاع الرأي والقلب، ترتفع نفسه دوما إلى العزة والإباء، كذلك لا يكون المؤمن أنانيا؛ فإن عقيدته تمنعه من أن يستأثر لنفسه بالمتاع. وهو إنسان يكمل إنسانيته بالشعور بجنسه، يعيش لنفسه وأهله وجيرته وأمته والناس جميعا، هو حسن المعاملة والعشرة وهو وفي ودود وكل ذالك من متممات إيمانه ومستلزمات خضوعه للذات العلية التي رفعته واستخلفته في الأرض.
جريدة ميثاق الرابطة، العدد 793، الخميس، 15 جمادى الأولى، 1418هـ / الموافق 18 شتنبر 1997 م، الثلاثون.
أرسل تعليق