الدين الإسلامي قوة خالدة
منذ بزوغ فجر الإسلام وانتشرت تعاليم الشريعة الإسلامية في كثير من أنحاء المعمور والإسلام يتعرض لمقاومات عنيفة، وحروب مريرة، ويعمل أعداؤه جاهدين على تقليص ظله وحصر نفوذه، ومحو تعاليمه من الوجود، وقد استعمل خصوم الإسلام كل الوسائل التي وصلت إليها أيديهم، وقدروا عليها فهناك طائفة من أعدائه استخدمت القوة المادية، وحد السلاح في محاربته وتفننت في هذه الوسيلة ضانة أن الإسلام مثل بعض الدعوات لا يستطيع معتنقوه الصمود أمام القوة الطاغية، والاحتفاظ بعقيدتهم إزاءها وقد أصيبت هذه المحاولة بالفشل الذريع؛ لأن العقيدة أقوى مما يظنون عميقة الجذور في قلوب المؤمنين.
وهناك طائفة أخرى عمدت إلى وسيلة أخرى للوصول إلى القضاء على الإسلام تخرج عن نطاق القوة والتنكيل ذلك أنهم اندسوا في صفوفه واعتنقوه ظاهريا ولبسوا لباس أبنائه ثم راحوا يكيدون له وينصبون الشباك المتنوعة لإفساد تعاليمه وإدخال تعاليم أخرى فيه لا تمُت للإسلام بصلة، ولا تجتمع معه في قبيل ولا دبير، وذلك عن طريق التضليل والكيد والتدليس استعملت هذه الطائفة اسم الإسلام، واستغلت سيطرته على نفوس المسلمين، وعن طريق الدس والخديعة بثت فيه أضاليلها..
وقد نجحت هذه الطائفة في عملها إلى حد بعيد فاستطاعت أن تصرف كثيرا من المسلمين عن النهج الذي شرعه الرسول عليه الصلاة والسلام، وترك عليه أصحابه وأوصاهم بالسير عليه وحذرهم من العدول عنه استطاعت أن تدخل على المسلمين بعض الطقوس التي لا صلة لها بالإسلام، وأن تغرس في نفوس المسلمين باسم الإسلام أفكارا وعقائد بعيدة كل البعد عن روح الإسلام، وخرج بذلك بعض المسلمون عن النهج القويم، والطريق السوي، وأصبحوا يمارسون طقوسا يعتقدون أنها من صميم دينهم وهو منها براء.
وعلى هذا الطريق دخلت بدع كثيرة على المسلمين واعتنقها جمهورهم وساروا عليها غير عائبين بالمصلحين العظام، والمفكرين الكبار، والعلماء العاملين المجددين الذين تنبهوا للخديعة، وقاموا مشمرين عن سواعد الجد يحذرون المسلمين من سوء المغبة وينذرونهم بسوء المصير.
ولئن استطاع هؤلاء المضللين أن ينحرفوا بالمسلمين عن جادة الإسلام فلم يستطيعوا أن يطفئوا النور الوهاج الذي يوقده القرآن الكريم والسنة الصحيحة. فقد بقي هذان المصدران في أمن وآمان، وفي حرز حصين من أن تمتد لهما أيدي العابثين، أو تنال منهما وصدق الله العظيم إذ يقول “إنا نحن نزلنا الذكر وإن له لحافظون” [الحجر، 9].
ويقول جلة قدرته “يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون” [التوبة، 32].
وبقاء مصادر الإسلام حية صافية هو الذي دفع العلماء المصلحين إلى أن يتحملوا المسؤولية ويكشفوا الدسائس والأفكار الدخيلة، وتلك إحدى معجزات الإسلام في العصر الحديث، وعجز أولائك الدخلاء عن حجب نور الإسلام الذي يشع من مصادره الصحيحة هو الذي مكن المسلمين اليوم من أن يمسحوا عنهم غبار الماضي بعد أن انكشفت عنهم الحقائق وأظهر بذلك تاريخ الإنسان الحديث مزايا التعاليم الإسلامية وقيمها التربوية وأخذ المسلمون يراجعون أنفسهم ويستمدون كل التعاليم من منهل الشريعة الإسلامية السمحة وينفون عنها كل ما خالطها من أردان ودسائس.
دعوة القرآن الكريم، مطبعة الرسالة بالرباط 1666 الطبعة الأولى لمؤلفه العلامة عبد العزيز بن إدريس ص: 55-58
أرسل تعليق