Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

الدعاء وخوارق العادات

قال الله تعالى: “اِذ قالت اِمرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالاُنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بِك وذريتها من الشيطان الرجيم فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكرياءُ كلما دخل عليها زكرياءُ المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بِيحيى مصدقا بِكلمة من الله وسيِداً وحصوراً ونَبِيأً مِن الصالحين قال رب أنى يكون لِي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء قال رَبِّ اجْعَلْ لِي ءَايَةً قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بالعشي والاِبْكَار وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اَصطفياك و طهرك واَصطفياك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك و اسجدي واركعي مع الراكعين ذلك من اَنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفا مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والاَخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين فالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء اِذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والاِنجيل ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بأية من ربكم إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفح فيه فيكون طائراً بإذن الله وأبرئُ الاَكمه والاَبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تاكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك ءَلاَية لكم إن كنتم مومنين ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأُحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بأية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم” [اَل عمران، 35-50].

مقام الآيات:

تضمنت الخمس وعشرون آية من سورة اَل عمران: من الآية 35 إلى الآية 50، أدعية قرآنية صدرت من امرأة عمران وابنتها مريم وزكريا عليهم السلام. سيقت هذه الأدعية في مقام حالي يتعلق بالمناظرة التي قامت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين وقد نجران اليمن[1]. أما مقامها المقالي فيتصل ببيان مناط محبة الله تعالى لصفوة من خلقه. وقد عرف التاريخ نماذج متعددة لهذه المحبة أبرزتها آيات القرآن المجيد بمسلكين: أحدهما مسلك إجمالي، كما في قوله تعالى: “إن الله اصطفى ءَادم ونوحا وءَال إبراهيم وءَال عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم” [اَل عمران، 33-34]، والثاني مسلك تفصيلي يتمثل في ما كانت عليه أحوال امرأة عمران وزكريا ومريم[2].

والمستخلص من تتبع مقامات هذه الأدعية سواء في وجهها المقالي أو في وجهها الحالي، أنها مسوقة في سياق ترسيخ اعتقاد إسلامي مفاده أن الله تعالى لئن وضع في الكون والخلق قانون السببية الذي يتعين على البشر المستخلفين عنه تعقله والتمكن منه حتى ينتفعوا بما خلف وبما سخر لهم؛ فإنه عز وجل هو الذي يحكم هذا القانون ولا يمكن لهذا القانون أن يحكمه. فالمقصد من هذه الأدعية تعليمي يعلمنا سبحانه من خلاله- وكما نبه على ذلك الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: أن الله تعالى “يحكم فانون السببية، ولا يحكمه قانون السببية[3].

دعاء امرأة عمران:

يذكر المفسرون أن امرأة عمران كانت عاقرا، وبينما هي في ظل شجرة بصرت بطائر يطعم فرحا له، فتحركت نفسها للولد وتمنته، فقالت: اللهم إن لك علي نذرا شكرا  إن رزقتني ولدا أن أتصدق به على بيت المقدس فيكون من سدنته فحملت بمريم، ومات زوجها عمران، وهي حامل[4]. وهكذا دعت امرأة عمران بأن يتقبل الله تعالى نذرها لقوله تعالى: “رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم[5]. لقد نذرت إن رزقها الله تعالى مولودا ذكرا أن تجعله محررا، أي مخلصا لخدمة بيت المقدس ومنقطعا لعبادة الله تعالى. وهذا هو قمة التشريف لأنه لما خلص لخدمة بيت المقدس فكأنه حرر من رق الأغيار وصار بمنأى عن أسر الدنيا وقيودها وانتقل تبعا لذلك إلى ما سماه العلامة ابن عاشور “حرية عبادة الله تعالى[6]. وقد استخلص الأستاذ سيد قطب من هذا التحرر درسا مفيدا في تلازم الإخلاص لله تعالى مع المعنى الدقيق للحرية في الإسلام فقال رحمه الله: “ما يتحرر حقا إلا من يخلص لله كله، ويفر إلى الله بجملته وينجو من العبودية لكل أحد، ولكل شيء، ولكل قيمة، فلا تكون عبوديته إلا لله وحده.. فهذا هو التحرر إذن، وما عداه عبودية، وإن تراءت في صورة الحرية.. لا تحرر وفي قلب الإنسان تعلق أو تطلع أو عبودية لغير الله، وفي حياته شريعة أو قيم أو موازين مستمدة من غير الله[7].

يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..

—————————–

1. ابن هشام، السيرة النبوية، تحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الابياري وعبد الحفيظ شلبي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1423هـ، 2003م، ج: 2، ص: 514.

2. وهو ما نص عليه قوله تعالى: “هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بِيحيى مصدقا بِكلمة من الله وسيِداً وحصوراً ونَبِيأً مِن الصالحين قال رب أنى يكون لِي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء قال رَبِّ اجْعَلْ لِي ءَايَةً قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ اِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بالعشي والاِبْكَار وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اَصطفياك وطهرك واَصطفياك على نساء العالمين يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ذلك من اَنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفا مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والاَخرة ومن المقربين ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين فالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء اِذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والاِنجيل ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بأية من ربكم إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفح فيه فيكون طائراً بإذن الله وأبرئُ الاَكمه والاَبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تاكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك ءَلاَية لكم إن كنتم مومنين ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأُحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بأية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم” [ءَال عمران، 38-50].

3. محمد الغزالي، نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الكريم، القاهرة، دار الشروق، الطبعة العاشرة، 1429هـ، 2008م، ص: 34.

4. الرزمحشري، الكشاف ج:1، ص: 548.

5. يراجع في شان كيفية هذا النذر ما سطره الرازي من روايات في مفاتيح الغيب ج: 8، ص: 23.

6. ابن عاشور، التحرير والتنوير ج: 3، ص: 232.

7. سيد قطب، قي ظلال القرآن، المجلد 1، ص: 392.

أرسل تعليق