الدعاء والتوجه الصادق
يقول عز وجل في محكم كتابه العزيز: “ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الاَرض ولا في السماء الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء” [اِبراهيم، 40-41].
هذا توجه صادق إلى الله تعالى جمع من خلاله إبراهيم عليه السلام ما في ضميره. وما في ضميره هو ما قصده من أن يحرس أبناؤه بيت الله الحرام، ويقيم الناس فيه الصلوات ويشكروه على ما أنعم عليهم من أمن ومن أرزاق ومن نعم مختلفة. وفي طلعتها بالنسبة لهذا النبي أن الله تعالى وهبه على الرغم من كبر سنه، إسماعيل وإسحاق عليهم السلام[1].
والحق أن كبر السن قد يؤدي غالبا بصاحبه إلى نوع من اليأس من الولادة. أما الله تعالى فلا يعجزه أي شيء لأنه هو القادر الذي يقول للشيء كن فيكون. قال تعالى: “إنما قولنا لشيء اِذا أردناه أن نقول له كن فيكون” [النحل، 40]. لقد استجاب الله تعالى لما طلبه إبراهيم عليه السلام وعلل ذلك لقوله تعالى: “إن ربي لسميع الدعاء“. قال الأستاذ قطب: “هبة الذرية على الكبر أوقع في النفس. فالذرية امتداد. وما أجمل الإنعام به عند شعور الفرد بقرب النهاية، وحاجته النفسية الفطرية إلى الامتداد“[2].
وفي شأن توضيح وجه المناسبة في قوله تعالى: “ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء” وقوله: “الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء” قال الرازي: “كأنه كان في قلبه أن يطلب من الله إعانتهما وإعانة ذريتهما بعد موته ولكنه لم يصرح بهذا المطلوب، بل قال: “ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن“؛ أي إنك تعلم ما في قلوبنا وضمائرنا، ثم قال: “الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق“. وذلك يدل ظاهرا على أنهما يبقيان بعد موته، وأنه مشغول القلب بسببهما فكان هذا دعاء لهما بالخير والمعونة بعد موته على سبيل الرمز والتعريض، وذلك يدل على أن الاشتغال بالثناء عند الحاجة إلى الدعاء أفضل من الدعاء، قال عليه السلام حاكيا عن ربه أنه قال: “من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين”. ثم قال: “إن ربي لسميع الدعاء“[3].
—————————————————
1. قيل بأن عمره حين ولد له إسماعيل عليه السلام ستا وثمانين سنة، وعمره حين ولد له إسحاق مائة سنة، وقيل أقوالا أخرى، ينظر تفسير الطبري، 13، ص: 235.
2. سيد قطب، في ظلال القرآن، قال الإمام ابن عاشور: “جملة” إن ربي لسميع الدعاء” تعليل لجملة “وهب”، أي وهب ذلك لأنه سميع الدعاء ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج: 13 ص: 242.
3. الرازي، مفاتيح الغيب، ج: 19، ص: 114.
أرسل تعليق