الخطاب الشرعي والقواعد النسقية للتأويل.. (18)
[تخصيص العموم بخبر الواحد]
أما المنقول فتقريره أن الصحابة أجمعوا على تخصيص القرآن بخبر الواحد في عدد من الصور منها[1].
– أنهم خصصوا عموم قوله تعالى: “يوصيكم الله في أولادكم” بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا نورث ما تركناه صدقة”[2]، وبقوله صلى الله عليه وسلم: “ليس لقاتل ميراث”، وبقوله صلى الله عليه وسلم: “لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم“[3].
كما خصصوا قوله تعالى: “فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك” [النساء، 11] بخبر محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة أنه صلى الله عليه وسلم جعل للجدة السدس[4].
– كما خصصوا عموم قوله تعالى: “وأحل الله البيع” [البقرة، 274] بخبر أبي سعيد في المنع من بيع الدرهم بالدرهمين[5].
– وخصصوا قوله تعالى: “فاقتلوا المشركين” [التوبة، 5] بخبر عبد الرحمان بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المجوس “سنـوا بهـم سنة أهل الكتـاب“[6].
– كما خصوا عموم قوله تعالى: “وأحل لكم ما وراء ذلكم” [النساء، 24] بخبر أبي هريرة الوارد في المنع من نكاح المرأة على عمتها أو خالتها[7].
وأما المعقول فتقريره أن “العموم وخبر الواحد دليلان متعارضان، وخبر الواحد أخص من العموم، فوجب تقديمه على العموم، وإنما قلنا إنهما دليلان لأن العموم دليل بموافقة الخصم في هذه المسألة، وأما خبر الواحد فهو أيضا دليل على ما تقرر في موضعه؛ ولأن الخصم هنا يساعد عليه، وإذا ثبت ذلك وجب تقديمه على العموم؛ لأن تقديم العموم عليه يفضي إلى إلغائه بالكلية، أما تقديمه على العموم فلا يفضي إلى إلغاء العموم بالكلية، فكان أولى في سائر المخصصات“[8]، ومن ثم يكون القول بالتخصيص هو المتعين؛ لأن فيه إعمالا للدليلين معا.
أما المانعون فجملة ما استدلوا به في هذا الموطن ما يلي:
– أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رد حديث فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل لها نفقة ولا سكنى لمخالفته قوله تعالى: “اَسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم” [الطلاق، 6]، فقال: “لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت“[9].
ورد الجمهور هذا الدليل بأن “حديث عمر رضي الله عنه صريح في راويه بالتهمة بالكذب والنسيان، فليس من صور النزاع فلم يكن ذلك قادحا في غرضنا بل هو بأن يكون حجة لنا أولى، وذلك أن عمر رضي الله عنه بين أن روايتها إنما صارت مردودة لكونها غير مأمونة من الكذب والنسيان، ولو كان خبر الواحد المقتضي لتخصيص الكتاب مردودا كيفما كان، لما كان لذلك التعليل وجه“[10]..
يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..
————————————-
1. انظر العقد المنظوم للقرافي، 2/406.
2. أخرجه البخاري ومسلم وأحمد.
3. أخرجه الجماعة إلا النسائي عن أسامة بن زيد.
4. رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي.
5. اخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة.
6. رواه مالك في الموطأ. قال البغوي في شرح السنة: “وسنده منقطع مع ثقة رجاله” 11/169 ، ط 2، 1983، بيروت، المكتب الإسلامي.
7. أخرجه أحمد وأصحاب الكتب الستة من رواية أبي رضي الله عنه.
8. العقد المنظوم، القرافي، 2/406.
9. أخرجه مسلم.
10. العقد المنظوم، 2/411.
أرسل تعليق