الخطاب الشرعي والقواعد النسقية للتأويل.. (16)
[تخصيص الكتاب بالسنة المتواترة قولية كانت أو فعلية]
وهذا النوع من التخصيص وقع الاتفاق على جوازه[1]؛ ومثال تخصيص عموم الكتاب بالسنة القولية قوله تعالى: “يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الاَنثيين” [النساء، 11]، حيث خرج من هذا العموم القاتل بقوله عليه الصلاة والسلام: “ليس لقاتل ميراث”[2]، كما خرج الكافر بقوله عليه الصلاة والسلام: “لا يتوارث أهل ملتين“[3].
أما تخصيص عموم الكتاب بالسنة الفعلية فمثاله قوله تعالى: “الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة” [النور، 2]، حيث خرج الزاني المحصن بما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم أنه رجم الزاني المحصن[4].
تخصيص السنة بالسنة
وهو جائز عند الجمهور ولا يحصى كثرة[5]، والمثال الموضح لهذا النوع من التخصيص هو قوله صلى الله عليه وسلم: “ليس فيما دون خمسة أوسـق صدقـة“[6]، حيث ورد مخصصا لقوله صلى الله عليه وسلم: “فيما سقت السماء العشر“[7]، وهو عام في النصاب وغيره، فخرج بمقتضى الحديث الأول ما دون الخمسة، حيث لا تجب فيه الزكاة.
تخصيص عموم السنة بالكتاب
وهو جائز أيضا عند الجمهور، ووجه الجواز “أنه إما أن يعمل بالخاص والعام إذا تعارضا، فيجتمع النقيضان أو يلغيا، أو أحدهما للنفي والآخر للإثبات فيلزم من إلغائهما إلغاء النفي والإثبات فيرتفع النقيضان، أو يقدم العام على الخاص، فيلغى الخاص بجملته، وإلغاء الدليل على خلاف الأصل، أو يقدم الخاص على العام، فيكون كل واحد منهما معمولا به، وهو أولى من إلغاء أحدهما بالكلية وهو المطلوب“[8].
يتبع في العدد المقبل…
——————————–
1. العقد المنظوم، القرافي، 2/393.
2. أخرجه مالك في الموطأ وأحمد وابن ماجة.
3. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة عن عبد الله بن عمرو وأخرجه الترمذي عن جابر.
4. العقد المنظوم، 2/ 394.
5. منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل، ابن الحاجب، ص: 130.
6. أخرجه البخاري ومسلم وأحمد.
7. أخرجه أحمد وأصحاب الكتب الستة إلا مسلما عن ابن عمر رضي الله عنهما.
8. العقد المنظوم، 2/396. انظر كذلك إحكام الفصول للباجي، ص: 170 وما يليها.
أرسل تعليق