الخطاب الشرعي والقواعد النسقية للتأويل.. (11)
المخصصات وأنواعها
هذا ولقد درج الأصوليون على التمييز في الدليل المخصص بين نوعين:
الدليل المخصص المنفصل أو المستقل؛
والدليل المخصص المتصل أو غير المستقل.
1. المخصصات المنفصلة:
“وهي إما أن تكون بغير السمع أو بالسمع“[1] “والمخصصات غير السمعية” أقسام منها:
العقل:
ومثاله قوله تعالى: “الله خالق كل شيء” [الزمر، 16] وقوله تعالى: “وهو على كل شيء قدير” [الشورى، 7]، حيث إن العقل يقضي “باستحالة كون القديم الواجب بذاته مخلـوقا ومقدورا”[2]. ومنه قوله تعالى: “ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا” [ آل عمران، 97]، حيث يخرج من عموم الخطاب من هو فاقد أهلية التكليف كالصبي والمجنون بدلالة العقل.
ولقد أورد الغزالي -على لسان المنكرين- اعتراضين على اعتبار العقل مخصصا للعموم وأجاب عنهما بقوله: “فإن قيل كيف يكون العقل مخصصا وهو سابق على أدلة السمع، والمخصص ينبغي أن يكون متأخرا، ولأن التخصيص إخراج ما يمكن دخوله تحت اللفظ وخلاف المعقول لا يمكن أن يتناوله اللفظ؟ قلنا: قال قائلون: لا يسمى دليل العقل مخصصا لهذا الحال، وهو نزاع في عبارة، فإن تسمية الأدلة مخصصة تجوز، فقد بينا أن تخصيص العام محال، لكن الدليل يعرف إرادة المتكلم، وأنه أراد باللفظ الموضوع للعموم معنى خاصا، ودليل العقل يجوز أن يبين لنا أن الله تعالى ما أراد بقوله “خالق كل شيء” نفسه وذاته، فإنه وإن تقدم دليل العقل فهو موجود أيضا عند نزول اللفظ، وإنما يسمى مخصصا بعد نزول الآية لا قبله. وأما قولهم لا يجوز دخوله تحت اللفظ فليس كذلك، بل يدخل تحت اللفظ من حيث اللسان، ولكن يكون قائله كاذبا، ولما وجب الصدق في كلام الله تعالى تبين أنه يمتنع دخوله تحت الإرادة مع شمول الله له من حيث الوضع”[3].
الحس:
ومعناه أن الحس يفيد عدم اندراج بعض أفراد العموم في حكمه كقوله تعالى: “تدمر كل شيء” [الاَحقاف، 24] في الريح التي سلطها الحق سبحانه على عاد عقوبة لهم، حيث إنها لم تدمر السموات ولا الجبال بشهادة الحس.
ومنه قوله تعالى في شأن ملكة سبأ: “وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم” [النمل، 23]، فإنها لم توت كل شيء، ومن جملة ذلك ما هو عند سلميان عليه السلام بشهادة الحس.
يتبع في العدد المقبل..
——————-
1. العقد المنظوم في الخصوص والعموم، 2/380.
2. منتهى الوصول والأمل لابن الحاجب، ص: 129.
3. انظر المستصفى، ص 245، وانظر كذلك التقريب والإرشاد الصغير، للقاضي أبي بكر الباقلاني، 3/174 وما يليها، ط 2، 1998، مؤسسة الرسالة، بيروت.
أرسل تعليق