الخراشيون الجدد
الخراشيون: نسبة إلى صاحبنا خراش، ذلكم الصياد الذي خرج لصيد الظباء، فكان أن عثر على الكثير منها دفعة واحدة! وكلما أراد أن يصيد واحدة إلا وتظهر له الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة..!! فلا يلبث أن يعدل عن السابقة باللاحقة.. وهكذا دواليك حتى انقضى يومه وفرت منه الظباء، ولم يظفر بواحدة منها!!
فلا المسكين استراح من نصب ومشقة الصيد، ولا هو بلغ مراده..! فقال فيه الشاعر وفي أمثاله:
تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصـيد
ما أكثر هذه النماذج الخراشية في عصرنا.. ويكفي الإنسان أن يلقي نظرة سريعة على السيرة الذاتية لأحدهم حتى يكتشف العجب العجاب: لائحة طويلة من المهام والوظائف والمناصب والألقاب والصفات.. وهو أمر “مهم” و”أساسي” في كل سيرة ذاتية لتشهد لصاحبها بـ”التجربة” و”الخبرة” و”الحنكة” وأخواتهن..!! ولكن حاله لا يختلف كثيرا عن حال صاحب الظباء، فلا هو حصّل الوظائف كلها، ولا هو أتقن وظيفته الأصلية..!!
وأنا لا أتحدث هنا عمن يقدم استشاراته العلمية وخبراته الوظيفية وآرائه المعرفية إلى هيئة أو مركز أو مؤسسة ما، فهذا الأمر محمود ومطلوب عند أهله، وقليل ما هم. لكني أتحدث عمن يعتقد جازما أنه لا يتقن مهمة واحدة فقط، أو إن علمه منحصر في تخصص علمي أو مهني واحد فحسب، بل يصر على أن يضفي على نفسه صفة الشخصية الكاريزمية التي تجمع بين عدد من العلوم والفنون والوظائف..!!
والمصيبة العظمى أن هذا “الخراشي” يزاول عمليا هذه المهام كلها في آن واحد!! بل قد يضيف إليها أعمالا أخرى لا تقل أهمية وحساسية!!
والسؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: كيف يتحقق هذا الجمع “الخراشي” العجيب؟ وإذا حدث أن تم بالفعل، فكيف تكون نتائجه؟
إن عصرنا يشهد بكل تجلياته وإكراهاته المتعددة والمتنوعة أن لا مكان لصاحب “الصنائع السبع” في واقعنا المعاصر.. فالإنسان الذي يحترم عقله وعلمه وآدميته يحتار في صنعة واحدة، بله أن تكون له صنائع متعددة..!!
ومن المؤكد أن الخيط الناظم للعلاقة بين العديد من العلوم والمهام والوظائف يربطها بأب معرفي أو أم وظيفية، وبالتالي لا يجوز الجمع بينها إلا ما قد سلف عند بعض علماء السلف نتيجة أسباب انتهت هي ومسبباتها في وقتنا الحالي.
وإن أي تجاوز لهذه القاعدة في زماننا هذا ستنجم عنه عمومية معرفية في الأداء، ونقص في العطاء، وضعف في الجودة. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على غياب الضبط والدقة والإتقان.
ولو أن كل واحد من “خراشيينا” اكتفى بصنعته فأتقنها وغاص في تدقيقاتها وتفصيلاتها لأبدع أحسن ما يكون الإبداع، وصدق فيهم من قال:
ولم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمامِ
إن عصرنا الحالي يشهد أن أمتنا كثيرا مما تتغذى مما يقدمه لها “الخراشيون الجدد” من أطباق كلامية وأفكار هلامية وخبرات مِـتلافة لا تسمن ولا تغني من جوع. وكيف يستساغ طعام هؤلاء وقد عقدوا العزم على شد الرحال من مؤسسة إلى مؤسسة، ومن مؤتمر إلى مؤتمر، ومن ندوة إلى أخرى، ومن اجتماع إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى.. فتاهت بهم السبل حتى باتوا بكلل سوء على أمتهم، أينما وجّهتهم لا يأتون بخير.. فهل يستوون هم ومن عكف على صنعته فاستفـنّها فنا وأتقنها إتقانا؟!!
لا أخفي رأيي في هذه القضية حين أقول إن أمتنا لا يمكنها أن تستبشر خيرا بـ”الخراشيين” في أي مجال من المجالات التنموية. وقد آن الأوان أن ينتبه هؤلاء لأنفسهم، فعليهم أن يعجلوا بخلع “القبعات الوظائفية” المختلفة والمتنوعة بتنوع مهامهم ووظائفهم وخبراتهم، والاحتفاظ منها بقبعة واحدة فقط تقي رؤوسهم التيه والدوخة والدوار، وتساعدهم على التركيز والتدقيق وشدة الإبصار.
وختاما إليكم هذه القصة التي يعجبني أن أنقلها وأحكيها لكل “الخراشيين الجدد”:
يحكى أن أربعة أشخاص من ذوي “المهام” المتعددة اتفقوا على عقد اجتماع مهم بينهم.
أسماء هؤلاء كالآتي:
ـ الأول اسمه: “كل واحد”.
ـ الثاني اسمه: “واحد ما”.
ـ الثالث اسمه: “أي أحد”.
ـ الرابع اسمه: “لا أحد”.
طـُلب من “كل واحد” أن يحضر الاجتماع..
“كل واحد” كان متأكدا أن “واحدا ما” سيحضر لهذا الاجتماع..
“أي واحد” كان يستطيع أن يحضر.. لكن “لا أحد” حضر..
“واحد ما” غضب لذلك لأن دعوة حضور هذا الاجتماع كانت موجهة لـ “كل واحد”..
“كل واحد” ظن أن “أي واحد” يستطيع أن يحضر..
لكن “لا أحد” أدرك أن “كل واحد” لن يحضر..
وانتهى الأمر بأن “كل واحد” ألقى اللوم على “واحد ما” عندما لم يحضر “كل واحد” ما كان يستطيع “أي واحد” أن يحضره..!!
طيب الله اجتماعات “الخراشيين” بكل خير.. وكل عام وهم من وظيفة لأخرى..
-
مقالة ساخرة لكن هي لمن ألقى السمع وهو شهيد.
لا نفذ الله مداد قلمك.
-
كونوا كغلام {بني أبذى}ولا تكونوا كخراش
جاء وفد من سكان اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرح بقدومهم وأكرم منزلتهم وعلمهم كي يعلموا قومهم. وبعد أيام قليلة جاءوا يودعونه. فأجازهم بأحسن ما كان يجيز به الوفود، وسأل هل بقي منهم أحد؟ فقالوا غلام تركناه عند متاعنا. قال أرسلوه إلينا،فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ما حاجتك؟ قال: إن حاجتي ليست كحاجة أصحابي، ما أقدمني من بلادي إلا أن تسأل الله عز جل أن يغفر لي ويرحمني وأن يجعل غناي في قلبي. فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك.
ثم جاء الوفد مرة أخرى سنة عشر من الهجرة، والتقى بالحبيب صلى الله عليه وسلم بمنى، وقالوا نحن بنو أبذى. فقال: ما فعل الغلام الذي أتاني معكم؟
قالوا: يا رسول الله ما رأينا مثله قط. وما حدثنا بأقنع منه بما رزقه الله. ولو أن الناس اقتسموا الدنيا ما نظر نحوها ولا التفت إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إ{ني لأرجو أن يموت جميعا} فقال رجل منهم: أوليس يموت الرجل جميعا؟ قال: تتشعب أهواؤه وهمومه في أودية الدنيا. فلعل أجله أن يدركه في بعض تلك الأودية فلا يبالي الله عز وجل في أيها هلك 1و2 إن تشعب أهواء وهموم {الخراشيين}كتشعبها في أودية الدنيا. وقد تنقضي حياتهم دون أن يكملوا أو يتقنوا بابا من الأبواب التي فتحوها، فتضيع الجهود ولا تجنى الثمار، وبذلك تضيع ألأمة التي هي ليست في حاجة إلى الأعمال فحسب، وإنما إلى نتائج الأعمال،عشنا زمنا انتشرت فيه مقولة:[عليك بالعمل و لا يهمك أمر النتائج] .فكان العمل، وكانت النتيجة: إنتاج الخراشيين.لذا أقول لهم:كونوا كغلام بني أبذى، ولا تكونوا كخراش أي موتوا جميعا ولا تموتوا مشتتين.
وختاما تحيتي الإسلامية الطيبة المباركة المباركة لأخي الدكتور مولاي مصطفى الهند. أحمد زريولي1ذكر القصة بكاملها ابن القيم في زاد المعاد ج3 ص46 .2:عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: من جعل الهموم هما واحدا هم آخرته كفاه الله هم دنياه. ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك. رواه ابن ماجه.
-
السلام عليكم ورحمة الله أستاذنا الفاضل
لا فض فوك
هؤلاء الخراشيون لم يتنبهوا لمسألة هامة وأساسية وهي التخصص العمودي بالمجال المعرفي، وإنما انصب جل اهتمامهم على التخصص الأفقي، ومعلوم أن أقصى ما يعطيه التخصص الأفقي السطحية في المعلومات يقابلها العمق في التحليل وغيره في التخصص العمودي.
لذلك لو كثرت المهام وكان فيهما غاية وسواء فلا بأس وسيخرج من دائرة الخراشية، لأنه لن يصدق عليه قول خراش، وإنما سيصدق عليه مقولة: "اصطاد عصفورين بحجر واحد" ، وغيرها.
والسلام عليكم -
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم أخي الأستاذ مصطفى
وعلى جنود الخفاء من المشرفين على الميثاق
ولا فض فوكم، لقد صدقتم القول وأحسنتم ضرب المثل ! وما أحوج الأمة إلى الرجل المناسب في المكان المناسب….
وكم يسوء مجتمعاتنا أن يتطفل البعض على ميادين ليسوا لها أهلا ويبدون نشاز الآراء والمقترحات، بل ويتدخلون أحيانا بأفعالهم فيسوءون ويسيؤون من حيث يدركون أو لا يدركون،
* وهذا [صنف آخر من الخراشيين]= فقد حضرت مرة عند مريض يعالجه طبيبه، فتدخل أحدهم وقال: اسمح لي يا سيدي الدكتور ….وبدأ يهرف بما لا يعرف، والطبيب واقف ينظر باستغراب وامتعاض ولسان حاله يقول (إذا لم تستحي فاصنع ما شئت) والسلام عليكم ورحمة الله /
التعليقات