الحركة العلمية في عصر المرينيين.. (13)
[الهيئة العلمية وآثارها]
12. المَكُّودي
أبو زيد عبد الرحمان بن علي بن صالح المكُّودي الفاسي، إمام النحاة في عصره. ونسبَتهُ إلى بَنِي مَكُّود إحدى قبائل هوَّارة الذين مُستقرُّهم فيما بين فاس وتازة. كان بَيْتُهم من بيوت فاس العريقة في العلم والجاه، وكان لهم زقاق يُعرف بهم، وكان أبو زيد هذا من مفاخرهم، إما ما في النحو واللغة والعروض وسائر فنون الأدب، درَّس كتاب سيبويه بمدرسة العطارين، وهو آخرُ من درسه بفاس، وبعده صار العمل على ألفية ابن مالك التي وضع هو عليها شرحه المشهور، ومن كتبه غير شرح الألفية، وشرح الأُجرومية، وشرح المقصور والممدود لابن مالك والبسطُ والتعريف في علم التصريف، ونظم المعرب من الألفاظ والمقصورة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم نحو ثلاثمائة بيت، وقد نَكَّتَ فيها على حازم وابن درَيْد، وتأتي في القسم المنظوم. توفي رحمه الله (عام 807هـ).
13. ابنُ هَانِيء
أبو عبد الله محمد بن هانيء اللخمي السبتي، من كبار علماء العربية، ومؤلفي الأدب في هذا العصر. قال ابن الخطيب في حقه “عَلَمٌ تُشيْرُ له الأكف ويَعْمَلُ إلى لقائه الحافر والخُفَّ، رفع للعربية ببلده رايةً لا تتأخر، ومرج منها لجة تزخر، فانفسح مجال درْسه وأثمرت أدواح غَرْسه فركض ما شاء، وبرح ودوَّن وشرح، إلى شمائل من يملك الظرْفُ زمامها ودعابةٍ راشت الحلاوة سهامها“.
له كتب مهمة جداً منها شرح التسهيل لإبن مالك تنافس الناس فيه، وكتاب الغُرَّة الطالعة في شعراء المائة السابعة، وكتاب إنشاد الضّوال وإرشاد السؤال في لحن العامة، وهو مفيد وكتاب قوت المقيم، وله لطائف أدبية تأتي في محلها، وقد استشهد في حصار جبل طارق في ذي القعدة عام 733 ورُثي بقصائد منها قصيدة أبي بكر بن شبرين التي يقول فيها:
قد كان مــا قال البـَـــرِيد فاصْبرْ فَحـُـزْنك لا يفــــيد
أوْ دَى آبن هانئ الرِّضى فاعتــــــادني للثـُّـــــكل عِيــــــــــــــد
14. أبُو القَاسم الشَّريف
أبو القاسم محمد بن أحمد الشريف الحسني السبتي، القاضي الفاضل، نخبة الأدباء في وقته، كان مُتَبَحراً في العلوم الأدبية من تاريخ، وأخبار، ونحو، وبيان، وعروض متقدما في الفقه والأحكامّ، مع توقُّد الذهن وأصالة الإدراك. ولي الكتابة، والخطابة، والقضاء عن ملوك بني الأحمر في الأندلس، وطار صيتُه ونبُه ذكره، وقد أخذ عن أبيه وعن ابن هانئ، وابن رُشَيد وغيرهم، وعنه ابنُ الخطيب وسِواه، وله تصانيف بارعة، ومنها “رفع الحجب المستورة عن محاسن المقصورة”، وهو شرح لمقصورة حازم “ورياضة الأبّي” وهو شرح على الخزرجية في العروض، وكان أول من فك ختامها بعد أن أعجزت نُبَهَاءَ الوقت و“شرح تسهيل إبن مالك” و“ديوان شعر”..
وكان مولده بسبتة في ربيع الأول (عام 697هـ) وتوفي قاضيا بغرناطة في شعبان (عام 760هـ). ولكثرة مقامه بغرناطة يُطلِقُ عليه بعضُهم الشريف الغرناطي وليس بغرناطي كما علمت..
15. أبن أبي زرع
أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن عُمر بن أبي زرع الفاسي المؤرخ الثقة، صاحب أجمع تاريخ للمغرب من لدُن قيام الدولة الادريسية إلى وقته، وهو العصر المريني.. وقد اختُلِفَ في اسمه ونسبه اختلاف كبير، ولكن الراجح هو ما ذكرنا. ولا نعرف عن حياته إلا القليل؛ لأنه ضنَّ على قراء تاريخه بلَمْحَةٍ ولو خاطفةٍ من التعريف بنفسه.. وذكر الحلبي في الدر النفيس أنه كان عَدلاً يحترف التوثيق بسماط العُدول بفاس، وذلك مما يدل على تثبُته ونَزاهتهِ فيما نقل من الأخبار عن تاريخ الدول السابقة والدولة التي عاصرها، وهي دولة المرينيين وعلى كل حال؛ فإن كتابه المعروف بالقرطاس واسمه الكامل “الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس“، هو أهمُّ مصدرٍ لتاريخنا الوطني مند انفصال المغرب عن دولة الخلافة العباسية إلى هذا العصر، وقد اعتمده ابن خلدون وذكره ابن الخطيب في الإحاطة، وأثنى عليه كثير من العلماء، وله غير القرطاس تاريخ مُطوَّل يُسمِّيه “أزهار البستان في أخبار الزمان” يُعتبر في حكم الضائع الآن. وكانت وفاته رحمه الله بعد (سنة 726هـ).
16. ابنُ بطُّوطة
أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللَّواتي الطنجي، الرحالة الشهير ولد ونشأ ببلدة طنجة، ولما بلغ الثانية والعشرين من عمره أوحتْ إليه نفسه الكبيرة بالتِّرحال والتِّجوال، فامتطى صهوَةَ الإغتراب من وطنه، وأخذ يذرَعُ الأرض طولاً وعرضاً، وكان خُروجه من طنجة (سنة 725هـ) فجال في المغرب وإفريقية وطرابلس وبرقة ومصر والشام والعراق واليمن وسواحل إفريقية الشرقية، وجزائر بحر فارس، ودخل الأناضول، وجال فيها وقدم بلاد القرمِ وساحَ في جنوبي روسيا، ودخل إلى بلاد البَلْغار والقُسطنْطينيَّة ثم جال في البلاد الواقعة شرقي بحر الخزر، ودخل خوارزم، وبخارى، وخرسان، وقندهار، ووادي السند، وأقام بدِهلي حاضرة الهند، ونُصب على القضاء فيها. ثم ساح في الأقطار الصينيَّة والتترية، ودخل سَيلان وسو مَطرة، وجاوه، وباكين قاعدة الصين، وابتُلي هناك بالأسر وتملَّص بعد خطب طويل، فانقلب راجعاً إلى المغرب، وكان قد بارح بلاده منذ 24 عاما.
وما لبث أن وصل إلى طنجة حتى عاد إلى الرحلة فدخل إسبانيا وتطوف فيها، ثم عاد وقصد السلطان أبا عِنان المريني بفاس فحضي عنده، وأفاض عليه من عطائه ما أنساه تجشُّم الأسفار واقتحام الأخطار، ودهب رسولا منه إلى بلاد السودان، ثم عاد إلى فارس وبها ألقى عصا التسيار، وألف رحلته “تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” ومات (سنة 777ه)ـ.
النبوغ المغربي في الأدب العربي تأليف عبد الله كنون، العدد 1-3 دار الثقافة، ج: الأول، ص: 210-212.
أرسل تعليق