الحج رحلة روحية لباسها التقوى
إن الشوق الذي يهز وجدان الإنسان المسلم، إلى زيارة مقام الرسول الكريم سيدنا محمد صلوات الله عليه وسلامه، والالتقاء بهذا النور الإلهي الجارف عند بيته الحرام، والوقوف بعرفات حيث يستطيع المخلوق أن يتعرف على خالقه، ويتلقى من ربه أصدق درس من دروس العظمة في دنياه، هنا المسلم المؤمن في مرحلة روحية رداؤها الحب ولباسها التقوى، وزادها التعرف على المحبوب ذاته في مشهد رائع من مشاهد المساواة الإنسانية أمام خالقها الفرد الصمد، القادر المجيب السميع البصير.
إن إحساس الحاج وهو ذاهب إلى الكعبة؛ بأنه يقصد أعز مكان عرفته البشرية في تاريخ إنسانيتها، يسأل نفسه في همسات وتمتمات: من الذي دعاه قلبى، وهو في نفس الوقت، يتذكر خليل الله، وأب الأنبياء إبراهيم عليه السلام، يوم وقف بجوار الكعبة يدعو ويبتهل قائلا: “فاجعل اَفئدة من اَلناس تهوي إليهم” [إبراهيم، 37]. وبسماعهم لهذا النداء الصادق يذهب المحبون الصادقون بأفئدة مملوءة بحب محبوبها، فتسعى إلى ربها للطواف ببيته العتيق قبل أن تلحق به إلى الرفيق الأعلى، إنها دعوة إبراهيم عليه السلام ترتسم على وجوه ملايين المسلمين المتحلقين حول بيت الله الحرام.
إن أنين الحجاج ودموعهم وقلقهم علامة من علامات الطريق، طريق الحب الإلهي، لحج بيت الله الحرام، لتطهير النفس من أحزانها وماديتها وتجريدها إلا من إنسانيتها، وعلى هذا الضوء الإلهي المتدفق، وبهذا الشعور الوجداني المسترسل بملابس الإحرام البيضاء، تبدأ التلبية من تلك القلوب المتعطشة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، وتعلن على مرأى من الدنيا ومسمعها بصوت صادق إلى الله عن إعلان لشعائر الخالدة، مؤكدة بأن كل شيء في الوجود زائل إلا… الله القادر العظيم.
هنا يقف المسلمون بأعين شاخصة إلى السماء يدعون خالقهم بأن يحفظ الإسلام، ويرعاهم للتمسك بدينهم ليحموا عقيدتهم ويفك أسر مسجدهم الأقصى، ويمدهم بنصر قريب على أعدائهم.
إن الحج رحلة روحية غالية مستنيرة رحبة تشدك إلى حافة ينبوع الطريق، طريق الله الذي يملؤه النور من أجل لحظة قرب، لا ينالها إلا الذين غلبهم الشوق إلى المعرفة، وطال مقامهم في انتظار لحظة الوجود.
جريدة ميثاق الرابطة، العدد 819، الخميس 4 ذو الحجة 1418هـ الموافق 2 أبريل 1998م، السنة الثلاثون.
أرسل تعليق