الثواب والعقاب في تنظيم علاقة الإنسان بالبيئة..
يشكل مفهوم الثواب والعقاب إحدى الثوابت العقدية التي توجه سلوك المجتمع، ذلك أن الثواب والعقاب كعائد أخروي يعبر عن امتداد البعد الزمني في الإسلام، هذا الامتداد الذي يجمع بين عالم الغيب وعالم الشهادة، متجاوزا بذلك الرؤية المادية الأحادية التي جعلت مبلغ علمها الحياة الدنيا، لم تلتفت إلى الحياة الأخرى.
إن مفترق الطرق بين الفكر الإسلامي والمذاهب الفكرية المعاصرة يكمن في الإيمان باليوم الآخر الذي يعتبر كلية من كليات العقيدة الإسٍلامية، فالإيمان باليوم الآخر يجعل للأفعال والتصرفات أهدافا ومقاصد وغايات، ذلك أن الثواب والعقاب يجعل سلوك الفرد يراعي المقاصد الدينية والدنيوية، ويجمع بين القيم الروحية والمادية وهذا ما يحقق التوازن النفسي للفرد في علاقته مع البيئة[1].
إن مفهوم الثواب والعقاب يجسد اهتمام الشريعة الإسلامية اهتمام “قبليا – وبعديا” بالتصرفات الإنسانية، وإدخال الثواب والعقاب كبعد معنوي يشعر بأهمية المنافع الأخروية “المصالح والمفاسد الأخروية”[2]. في تأطير السلوك الإنساني.
إن المعادلة الإٍسلامية في الثواب والعقاب تتغيا أن يستحضر الناس هذا الزاجر في سلوكهم حتى تكون تصرفاتهم محكومة بالمعايير الشرعية.
وقد ورد في الشريعة الإسلامية ما يدل على أن قاعدة الثواب والعقاب قدر وعيت في ضبط علاقة الإنسان بالبيئة، من ذلك ما ورد من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قطع الشجر “من قطع سدرة صوب الله رأسه إلى النار”[3]، وهذا الترهيب يدل على أن من مقاصد الشريعة المحافظة على مكونات البيئة.
ومن هذا المنظور ورد وعيد النبي صلى الله عليه وسلم لمن أتلف كل ما ينتفع به من الثروة الحيوانية، ففي الحديث “من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله يوم القيامة يقول يا رب إن فلانا قتلني عبثا، ولم يقتلني منفعة”[4]. كما ورد الترغيب في التشجير وجعل الشرع لذلك ثوابا، فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة”[5].
وروي عن أبي ذر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “عرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها، فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق، ووجدت مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن”[6].
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق، فأخره فشكر الله له، فغفر له وزاد في رواية فأدخل الجنة”[7].
ومما يؤكد اعتبار قاعدة الثواب والعقاب في علاقة المسلم ببيئته ما روى ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها -هي حبستها- ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض”[8]. والمراد بخشاش الأرض هوامها وحشراتها.
إنها نماذج تعكس اهتمام الإسلام بالكائنات البيئية وأثر العناية بها في نيل الثواب أو العقاب.
———————————————————
1. محاضرات في الفكر السياسي والاقتصادي، محمد فاروق النبهان، ص: 118.
2. الموافقات للشاطبي ج: 2، ص: 21.
3. رواه أبو داود في كتاب الآداب في قطع السدر السنن، ج: 4، ص: 361.
4. أخرجه النسائي في السنن كتاب الضحايا، ج: 7، ص: 389 وأحمد في المسند، ج: 4، ص: 389 وابن حبان، ج: 7، ص: 557. انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ترتيب الأمير علاء الدين بن بلبان الفارسي تحقيق كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1407هـ / 1977م.
5. رواه البخاري: انظر البخاري بحاشية السندي، ج: 2، ص: 45.
6. رواه مسلم، انظر رياض الصالحين للنووي، ص: 67، تحقيق حسان عبد المنان، المكتبة الإسلامية الأردن، الطبعة الثالثة: 1413هـ.
7. متفق عليه، انظر رياض الصالحين، ص: 70.
8. رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنه.
أرسل تعليق