الثابت والمتغير في اللباس البدوي
منذ بداية القرن -الرابع عشر الهجري/العشرين الميلادي- ظلت العناصر الصنهاجية هي المسيطرة على المجال المحلي وخاصة الرعوي. وهكذا عبرت موجات بشرية أخرى تنتمي لقبيلة بني مكيلد وادي ملوية واجتازت مجالات بني مطير لتصل إلى تكريكرة عند مشارف مدينة أزرو، ليشمل امتدادها غابات الأرز والهضاب العليا لبقريت، فأصبحت مواطنها تمتد ما بين مثلث أزرو -عين اللوح- تمحضيت. أما بني مطير فانتهى بهم الأمر بالاستقرار ما بين مدينتي إفران والحاجب، في حين فضلت قبيلة آيت سغروشن المقام ما بين مدينتي إفران وبولمان. وقد انقسمت هذه القبائل الثلاثة بدورها تبعا للتطور التاريخي والنمو الديمغرافي إلى الأفخاذ التالية[1]:
القبيلة | الفخذ | مكان الاستقرار |
بني مكيلد الشمال |
· آيت عرفة كيكو
· إركلاون · آيت عبدي · آيت مولي · آيت واحي · آيت لياس · آيت امحمد أو لحسن · آيت مروال |
تمحضيت
إركلاون عين اللوح ” ” ” ” “ |
بني مطير الجنوب |
· آيت حماد
· آيت أورتيندي · آيت عبد السلام |
تزكيت |
آيت سغروشن |
· آيت يدير
· آيت داود أو موسى · الحجاج |
ضاية عوا |
وابتداء من -القرن الثاني عشر الهجري/الثامن عشر الميلادي- انضافت إلى هذه الأفخاذ عناصر بشرية أخرى كعرب المعقل والشرفاء وآيت غريس الذين استقروا بالخصوص بأزرو، ثم آيت خباش بكيكو.
صفوة القول أن هذا الخليط البشري الذي استوطن منطقة إفران لعب دورا مؤثرا في تاريخ المغرب الأقصى وقام بتأطير أو بالحد من وعيه السياسي العديد من الحركات والزوايا كالدرقاوية والتيجانية والقادرية والكتانية والتي لازالت الكثير من فروعها منتشرة إلى اليوم في مجموع ربوع المنطقة. وإذا كان من المعروف أن بلاد المغرب الأقصى عامة والأطلس المتوسط بالخصوص وتحديدا منطقة إفران، قد شهدت تأثيرات متبادلة في نمط العيش واللباس بفعل التفاعل البشري المتعدد الأجناس والتقاليد؛ فإنه سيكون من المغامرة التمييز في نوعية اللباس بين ما هو محلي وما هو مقتبس من الحواضر والبوادي المجاورة وبين ما ينتمي لحضارة أخرى قد تكون مجاورة أو بعيدة. ومع كل ذلك، فإن ما يجمع هذه المؤثرات أنها قابلة للتدجين ولا يمكن فصلها عن الواقع المعاش المحلي وعن الظروف المناخية المحيطة به.
1. المواد الأولية والتقنيات المستعملة
ترتبط صناعة الملبس ارتباطا وثيقا بتوفر المواد الأولية سواء ذات الأصل النباتي أو الحيواني. وشكل الصوف أهم مادة حيوانية بمنطقة إفران باعتبار نمط العيش السائد المعتمد على الرعي والترحال، وظلت جبال فزاز-الأطلس المتوسط- تحتل المرتبة الثانية بالمغرب في تربية الماشية خلال مختلف العصور وإلى يومنا هذا. أما بالنسبة للجلد فبالرغم من توفره، فقد بقي استعماله جد محدود في صناعة اللباس وهم بالخصوص صنع الأحذية والأفرشة وسروج الخيول. أما الكتان والقطن والحرير فيتم استيرادها وخاصة من مدينة فاس التي كانت بمثابة قطب الصناعة النسيجية بالمغرب إلى وقت قريب. ويذكر الحسن الوزان[2]، أن منطقة الأطلس المتوسط كانت مشهورة بزراعة الكتان.
بالنسبة للأصباغ والمواد الملونة والتي يتم اقتناءها من مدينتي فاس ومكناس، فيمكن ذكر أهمها في ما يلي:
• النيلة أو النيلج الذي يعطي للمنسوجات لونا أزرقا باهتا؛
• لحاء شجر الجوز الذي يستخدم للحصول على اللون الأسود؛
• نبات العلك “تكاوت” الذي يستعمل للحصول على اللون الأحمر وكذا في دباغة الجلود؛
• الشب لتبييض ودلك وصقل الأقمشة..
كما تتجه نساء المنطقة في الغالب إلى اعتماد مواد ونباتات محلية للحصول على بعض الأصباغ ومنها:
• البقايا المعدنية: كصفائح الخيل والسلاسل القديمة التي توضع في وعاء خاص وتعرض للغليان إلى أن تتحلل المواد العالقة، ثم تضاف إليها الصوف الذي يتم إشباعه وتعريضه للشمس، ثم يجفف ويعطي صباغة زرقاء. وللحصول على صباغة سوداء يتم استبدال الماء وتعريض المواد المعدنية للمزيد من الغليان قبل أن تخلط بالصوف وتجفف بأشعة الشمس.
• ألزاز: وهو نبات محلي يستعمل مع البقايا المعدنية بنفس الطريقة السابقة للحصول على اللون الأصفر.
• تنويت: وهي قشور جذور شجر البلوط “الكروش” وتستخدم للحصول على اللونين الأحمر والأسود.
• المسواك أو السواك: ويستخرج من قشور شجر الجوز ويستعمل للحصول على اللونين الأحمر والبني.
وبصفة عامة فمختلف هذه المواد تخضع لعمليات التقصير والتبييض والدعك والتخضيب والأكمدة وغيرها من الطرق الملازمة قصد الحصول على الحياكة والأصباغ المناسبة. فالصوف مثلا كان يتم في المنازل، وتقوم به النساء سواء للاستعمال المنزلي أو للمتاجرة به. فصاحب الغنم يقوم بجز صوف الغنم، ويبيع جزءا منه لشراء حاجيات الأسرة، بينما تنسج النساء الباقي لتبيعه أو لتحتفظ به للضرورة. وكانت معظم المنازل تتوفر على أدوات غزل الصوف كالمغزل والمكب والنير والمنسج والمشط والنول أو المنوال. وتتعلم الفتيات الغزل منذ الطفولة ليكون حرفة لهن عندما يكبرن وكوسيلة لمحاربة الروتين اليومي والبطالة وأيضا للمساهمة في مصاريف الأسرة. كما كانت النساء البدويات بمنطقة الأطلس المتوسط يجدن معالجة المواد الخام من خلال غسلها وندفها وغزلها خيوطا تكون السدى قبل أن تنصب المنوال ووضع النير وهي الخشبة المعترضة في المنسج لتبدأ عملية تلحيم الغزل. واعتبارا لهذه المهارة المكتسبة والمنتقلة عبر الأجيال، تمكنت معظم الأسر المحلية من توفير ما تحتاجه من ملابس وأغطية وأفرشة وخيام.
يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..
——————————————-
1. La Province d’Ifrane: Monographie de la Province d’Ifrane 1998. op-cit. .(p16)
2. الوزان “محمد بن الحسن الفاسي”: وصف إفريقيا.
أرسل تعليق