الثابت والمتغير في اللباس البدوي
لباس الرجل في الأطلس المتوسط
إذا كانت في سابق العصور، إمكانيات الحصول على المسكن اللائق والقوت الكافي والملبس الوفير غير متوفرة لغالبية سكان المغرب وخاصة بالبادية، فقد كانت عادة الرجل ببادية الأطلس المتوسط الظهور بالزي الذي يعبر عن الشهامة والنخوة ومهما غلى ثمنه وبعُد موطنه. وهكذا تنوع الذوق بين ما هو مقتبس من تقاليد انفردت بها الحواضر الكبرى، وبين ما هو محلي يحاول أن يحافظ على خصوصيات المنطقة:
1. لباس الرأس
أ. الرست أو الرزة “العمامة”: الرست تحريف لكلمة الرأس بالعربية، وفي الأصل كان الأمازيغ حليقي الرؤوس ولا يضعون فوقها أي غطاء، وفي هذا يذكر الحسن اليوسي مقولته المشهورة “لو رأى أرسطو قدر البرنس في اللباس والكسكسون في الطعام والحلق بالموسى، لأعترف للبربر بحكمة التدبير الدنيوي، وأن لهم قصب السبق في ذلك“[1]. وقد ساهمت الهجرات العربية في نقل تقاليد العمامة إلى المغرب الأقصى منذ بداية الفتوحات الإسلامية، فاتخذت الرزة عدة أشكال وصنعت من أنسجة متنوعة كالصوف والحرير. أطلق عليها أحيانا لفظ “الكرزية” المشتقة من الكلمة الأمازيغية “تكرزيت“، وهي عبارة عن قطعة مستطيلة تلف حول الرأس بطرق مختلفة.
ب. أحزام: لفظ أمازيغي مشتق من الكلمة العربية “حزم”، وهو عبارة عن قطعة مستطيلة من النسيج تلف حول الرأس مرتين أو ثلاث مرات، ويلثم بالباقي، يتخذها العريس في حفل الزفاف للتعبير عن نوع من الحياء والخجل.
2. لباس البدن
أ. أتفاس “التشمير“: عبارة عن قميص أبيض اللون، طويل، مفتوح على الجانب الأيمن بشكل مستقيم، ويربط من الناحية الموالية للكتف بشريط يطلق عليه “تسريفت” [السريفة]. ويصنع أتفاس من الكتان أو القطن أو أحيانا من رقيق الصوف لكونه من الملابس الداخلية.
ب. أسروال “السروال”: عبارة عن ثوب يلبسه الرجل من السرة إلى الأسفل وقد يطول إلى نصف الساق أو أكثر وقد يتسع في الأعلى ويضيق في الأسفل. يتخذ من الصوف والكتان والقطن والحرير، ويلبس غالبا تحت تجلابيت “الجلابة“.
ج. تونديت أو تبدعيت “البدعية”: وهي لباس معروف بإفريقيا الشمالية، قد يكون لفظ “تونديت” تحريفا لكلمة “تبدعيت” المشتقة من لفظ “البدعية” الذي اختلف حول أصله هل جاء من “البدع” وتعني الغاية في كل شيء أم من فعل “أبدع” وفي ذلك إشارة إلى أنه لباس مبتدع أو جديد. وتبدعيت عبارة عن صدرية بدون طوق ولا كمين ولا يتجاوز أسفل السرة، وشكل هذا اللباس أحد عناصر كسوة البحارة وخاصة بمدينة سلا خلال القرنين –التاسع والعاشر الهجريين/الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين-. اقتبست قبائل بني مكيلد، وبني مطير وآيت سغروشن، هذا اللباس ومهرت النساء في نسجه من الصوف، وأضفي عليه طابع محلي وتحول من لباس بحري إلى لباس للرعاة والمزارعين، وكان يلبس فوق التشمير للحماية من البرد القارس.
د. تفراجيت “الفرجية”: تفراجيت كلمة مشتقة من الكلمة العربية “الفرجية”[5]. ذات الأصل التركي حيث عرفت قبل القرن –العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي-. وتعني لباس يتخذه القواد والأعيان فوق القفطان، وقد استورده السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي وأعطاه اسم “المنصورية” أو “المنصور“. تتخذ الفرجية نفس شكل القفطان مع كمين طويلين، وعريضين، ومفتوحين في الأمام إلى الحزام، وتسد بأصداف مصنوعة من خيط الحرير الأبيض. وتعني الفرجية بالأطلس المتوسط قميصا من نسيج رقيق سواء من القطن أو الصوف مع وجود فتحة من الأمام.
هـ. تجلابيت أو تقبوط “الجلباب”: يعتقد أن أصل لفظ “تجلابيت” مشتق من الكلمة الأمازيغية “ثلبج” وتعني اللباس، وقد تكون من الكلمة العربية “جلباب” التي تعني القميص. لم يكن هذا اللباس شائعا سوى بالمغرب الأقصى ومنه انتقل إلى بلاد الأندلس، حيث أدخلت عليه عدة تغييرات. وفي الأصل كانت “تجلابيت” لباسا للعامة والفقراء وممتهني الحراسة فضلا عن الفقهاء والمرابطين والصلحاء، قبل أن يصبح لباسا وطنيا مختصا بالمغرب، ومن ثم تطورت فنون صناعته وأصناف تفصيله. فاتخذته قبائل الأطلس المتوسط من نسيج الصوف وبلونين توفرهما المادة الخام وهما الأبيض والأسود، وهو لباس طويل يحيط بالجسد مع غطاء للرأس وكمين طويلين، ويعتبر خاصة من أزياء فصل الشتاء.
يتبع في العدد المقبل..
————————————————–
1. اليوسي (الحسن بن علي): المحاضرات، الرباط، دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر 1976 (ص: 80).
2. Besancenot (Jean): op-cit (planche C: 1).
3. Besancenot (Jean): op-cit (planche C 6).
4. Besancenot (Jean): op-cit (planche C 7).
5. أورده ابن بطوطة في الرحلة، الطبعة الأخيرة، الجزء الرابع (ص: 219، 220، 221 278).
6. Besancenot (Jean): op-cit (photo).
أرسل تعليق