التواصي بالحق والتذاكر بالحسنى
آن الأوان لتستعيد الأمة قامتها، وتستحضر قيمتها بجسر عتيد يربط بين جنبات أجزائها بالتنوير والعقلانية، بالعزيمة والتفكير والرأي السديد والقرار الصائب، يوم ترقى بالإنسان فكرا وعقيدة وسلوكا، من دون الرجوع إلى أخطار الفوضى والإنزلاق في أتون الانقسام والتفتيت، واكتشاف الرموز الوهاجة التي تضيء الطريق لمستقبل أجيال وأجيال، بالحكمة وصوت العقل حتى تبرز كنوز ظلت متمورة بما يكسب الحاضر والمستقبل تجربة عميقة، ووضع حد لمأساة الإنسانية بمعاني ذات قيمة إنسانية، وحضور طاغ من الجمال يغمر الحياة البشرية، يتماوج فخرا وأمجادا تبصره الوجدانات والمشاعر، وتلمسه الأذواق، بعمل ذاتي يتسلق أهله صعدا إلى ذروة الخلود مع جميع إنجازات البشرية في كل بقعة من أرض الله.
وإنه لأجل فهم النهضة المرتقبة للأمة لابد من النظر ضمن السياق التاريخي والمميزات والخصائص المساعدة على النهوض، قبل الهجوم والتشكيك والاتهام، مع الفهم الكامل لرسالة النهضة، والتجديد في ثنايا الذات، والاقتباس من الآخر، إذ بدون ذلك لا تستقيم الحياة، ومراعاة الفارق بين السابقين واللاحقين، جنبا إلى جنب مع التحليل والإنتاج، ورسم ملامح أكثر وضوحا قبل اقتحام المجهول، ووضع حد للممارسات التي تغتصب فيها القيم، حتى نتعامل التعامل المسؤول مع الدين والدنيا والآخرة على المستويين الفردي والجماعي، آنئذ نشعر بسلامة التعامل الهادف لجلب الناس إلى الحق، وإشراكهم في كل عمل ينتج خيرا للبشرية، مع الاستيعاب العاقل لدمج العلوم والتقنيات، والانتقاء القائم على النقد والتمحيص، في سبيل ازدهار يقبر مشكلة التخلف.
وبالاتحاد الجاد يتم تفجير ينابيع الانسجام، مع واقع كل من الإنسان والكون والحياة، وبتناسق تام إلى تعميق المعارف الإنسانية مع العقل والفكر والعلوم، والخروج من المأزق لأن جزءا قليلا من أوجاع وآلام المصائب حتما سيوقظ النائمين وينبه السادرين، الذين كانوا السبب الرئيس في تواجد هذه المصائب التي أحاطت بالأمة التي عاشت زمنا طويلا ضالة عن ذاتها.
والسؤال الذي يطرح نفسه على كل واحد منا: ماذا فعلنا بالقدرات والكفاءات الكامنة في داخلنا؟ لقد حشرنا أنفسنا عند رؤوس المشكلات، دون أن نسبر أغوارها ونصل إلى الجذور عبر الجدوع، مع العلم أن جدوع هذه المشكلات، هو الجمود العفن عند الأفكار العتيقة والاضطراب الفكري والازدواج الممقوت في الرأي والسلوك.
ومادام هذا الانشطار الاجتماعي في شتى المناحي والمنعطفات بعرقية البواعث والأهداف، وطبقية المحتوى والمصلحة، تعارضا وحيادا وتعاطفا، ولا بأس من محاولة لاستقراء العلل التي تصور في النهاية نمط العلاقات المتعددة والمتنافرة وهنا لابد من الإشارة على وجه الدقة، أن يكون صوت للعقلاء مؤثر واضح البيان، يجعل من الطاقات المعطلة شيئا فاعلا، لابد أن يكون له معنى حقيقي لرسم الصورة المثلى لمستقبل الأمة، لتأمين الطريق رغم تباعد الشقة، لإحيائها من موات وتجميعها بعد شتات، بأخلاق الإسلام وبساطته لأن الحق بأهله ينتصر .
وما دمنا نملك رصيدا من الإيمان، لابد من استخدام الوسائل المختلفة، وبالعقل المنظم لسد الفراغ الذي تعانيه البشرية، بما هو أصفى جوهرا وأشد قوة، وعندنا كل المبشرات لأننا نملك الرجال والعزيمة والعمل، لجبر هذه الفجوة بالعلم والتقنية للقيام بأعباء الاستخلاف الإنساني، وتسخير ما يحتويه هذا الكون كما أراد الله عز وجل وما من شك في أن فهم الإنسان لطبيعة مهمته في الحياة، للأخذ بالأسباب؛ لأن كل المقومات متوافرة: إلا أنها تحتاج إلى من يوفر لها المناخ المناسب في بلدانها، لتظهر للجميع باعها الطويل في النبوغ والإبداع وبما يقوي الأواصر ويدعم الروابط بين الإنسان وأخيه الإنسان.
إن من أول واجباتنا تجلية الجوانب المشرقة في حضارة الأمة، وأننا أصحاب رسالة إنسانية عالمية سامية، تحفزنا على النظر والتفكير؛ لأن ظواهر الكون تخضع لقانون السببية، والاعتراف بعالمية العلم والتقنية، سواء في الأخذ والعطاء، والاعتماد على التجريب والفرضيات حتى الوصول إلى الحقائق العلمية حتى نكون قادرين على تأدية دورنا بشكل فعال، ولتتحول الأحلام إلى حقائق ملموسة، ويومها تشع الأضواء الخافتة مؤذنة بشروق شمس العلم والتقنية في سماء الأمة، ليختفي ظلام التخلف إلى غير رجعة.
ويوم تلتقي الفطرة النقية والفكر المبدع الخلاق تحلق الأمة في آفاق التقدم تنشر النور، وهو أعظم نصر يحققه الإنسان في حياته، وهو يرى العوالم التي تبعث الحياة من جديد، بتفاعل مع الطبيعة تفاعلا جماليا يتلمس مكامنها ويستمد لحياته من حياتها، وهكذا تتواصل الجهود وتتعاون وتتكامل، في البناء على الأسس والأصول، مهما اختلفت الرؤى والأفكار والجزئيات والفروع؛ لأن الحال يدعو للاعتزاز والتفاؤل، بما يبشر بمستقبل مأمولو كما أن الأمة اليوم يجب أن تنتقل من حال إلى حال لتكون المعبر الأصيل عن عصرها ليكون الناس عاملين منتجين نشيطين، لرفع المستوى المادي، وصياغتها صياغة جديدة تناسب إيقاع العصر، وبما تستقيم به المنفعة، ويتضاعف للإنسان الذي هو صاحب رسالة في الحياة، يجب أن تخالط وجدانه وعقله، وليضع كل شيء فيما سخر له، لا فرق في ذلك ما يرى كبيرا ذا قدر، أو ضئيلا لا قدر له، لقد أريد لهذه الأمة أن تكون في مواقع الريادة، وتواجدها في فجاج الأرض، تسبح في نهر المعرفة تعرف البشرية الضالة بربها، لأن الله عز وجل وجل أنعم عليها برسالة السماء، وهي أرجح في الموازين وأضوأ ما في التاريخ.
ومع هذا كله ينبغي التأكيد على دنيا ألا تكون مقطوعة عن ربها، وبين عبادة تصل الإنسان بربه، وتبصره برسالته في هذه الحياة، دنيا تكون عونا للدين، بل سياجا يحميه، فالإنسان بلا دين، كالشجرة التي لا جذور لها ولا ترجى ثمرتها، تموت غدا إن لم تكن ماتت اليوم أو بالأمس، إذا تضافرت الجهود وصدقت العزائم والنوايا، تيسرت عوامل النجاح، والأمم لا تقاس بأحجامها، بل بمدى إنجازاتها في نطاق إمكاناتها، والإنجازات لا تحسب بالبدايات الناجحة، وإنما بالقدرة على المواصلة بالجد والكفاءة والمثابرة، وأساس ذلك كله الجهود المخلصة الصابرة الواعية، مع ضرورة الاستجابة القويمة لمتطلبات التحديث، لحاقا بركب التقدم العلمي والتكنولوجي، والتواصي بالحق والتذاكر بالحسنى لاستخلاص الحق السليب تاما غير منقوص، لأن العكوف على العلم والبحث والعمل، بعد النقص يؤدي إلى الكمال، والحرمان غالبا ما يؤدي إلى كبرى الغايات.
والله أسأل أن يهدينا إلى الحق ويوفقنا إلى العمل به والثبات عليه.
أرسل تعليق