التنمية الشاملة.. صنع للمستقبل
أمتنا ولله الحمد والمنة ثرية غنية بالشرفاء والأمناء الأكفاء الذين يصنعون المستقبل ويرعون حقوق الله وحقوق العباد وللتغيير الذي نريده في العهد الجديد يجب أن يقوم على دعائم جديدة من الإيمان والإخلاص والوفاء، والإحياء الذي يريده الله تعالى لهذه الأمة هو التنمية الشاملة، وكيف تكون هذه التنمية الشاملة وإلى أي منتهى تنتهي بنا في عالمنا الحاضر هذا، إنها ولا ريب تنتهي بنا بدون شك إلى تحقيق الرفاهية.
وهذه التنمية وإن كان سبيلها صعب فهي ترتكز على أصول حكمية ولا أقول فلسفية وآراء ونظريات، جاء بها المنهج الإسلامي وتحقيق التنمية الشاملة، هو تحقيق التوازن بين الروح والمادة الذي يلمح إليه القول المأثور: [اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا]، ثم إن تحقيق التوازن بين الفرد والمجتمع يشير إليه الحديث الشريف الذي رواه أصحاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ليس منا من بات شبعان وجاره جائع”.
وتحقيق التوازن في الإنفاق بين التقتير والتبذير، مع القيام بكفالة جميع الحقوق الذي كتبها الله تعالى لنا كبشر، والتي نوه بها التشريع الإسلامي، وهي الحقوق الضرورية، ومن واجب كل واحد منا إذا أردنا الرفاهية للمجتمع الإنساني أن نحرص على توفير هذه الحقوق وتمكين كل الناس منها، وباستخدام عناصر الإنتاج كلها؛ لأن عناصر الإنتاج كلها من نعم الله علينا، لم نصنع منها شيئا، فالله سبحانه هو الذي أعطانا إياها لنكون خلفاء في الأرض ولنقوم بوظيفة الخلافة.
وتلك المصادر هي التربة أولا والمعادن والحيوانات والنبات، ففي كل مجال، وفي كل محيط من هذه المحيطات يستطيع الإنسان أن يغترف الخير، وأن يصنع المستقبل، وأن يغير ما بالمجتمع من أحوال، واستثمار الأموال؛ لأن رجال الاقتصاد يقولون: إن المال جوهر عملية الإنتاج.
وبدون مال لا يستطيع أحد أن يحقق أية خطوة من خطوات التنمية الشاملة، وتنويع هذا الإنتاج، فلا يجوز بأي حال من الأحوال أن يكون المجتمع كله زراعي، ويترك الجانب الصناعي والجانب التجاري، بل لابد أن يأخذ المجتمع بهذا التنويع.
ولتغيير مجتمعنا وتغيير ما به من تخلف هو العمل الدائب؛ لأن الله سبحانه وتعالى شرف الإنسان لاستخلافه في الأرض، والخلافة هنا تشريف من الله لعباده وهو الذي يشير إليه قوله تعالى: “وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الاَرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون” [سورة البقرة، الآية: 30].
وهذا التشريف هو الذي يقتضي مراقبة وحسابا من الله للعباد عندما يتأخرون عن القيام بواجبهم لأنه سبحانه وتعالى يقول: “ويستخلفكم في الاَرض فينظر كيف تعملون” [سورة الاَعراف، الآية: 129].
وإذا كانت العمارة بمعناها الواسع عندما تتجاوز حدود الحرث والزراعة وشق الأنهار وإقامة السدود والآبار، فالخلافة آنذاك تتمثل في بذل الجهد، لنشر الأمن والرفاهية بين كل أفراد المجتمع، وتحقيق التعايش السلمي لكل بنات وأبناء آدم على وجه الأرض.
وإذا توفر ذلك استطاع كل إنسان أن يعمل جاهدا في حياته ليتبوأ المجتمع الإنساني كله الخير، ويصل إلى السعادة المنشودة في الدنيا والآخرة، وأنا هنا عندما أقارن بين الذي حدث من دول الغرب في المجال الصناعي والتقدم التكنولوجي، وما حصل لنا من تأخر، أذكر دائما كلمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قال: “والله لأن جاءت الأعاجم بالأعمال، وجئنا بغير عمل فهم أولى بالرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منا يوم القيامة”.
والشاعر يقول:
ليس الفتى بفتى لا يستضاء به ولا يكــون لـه في الأرض آثــــار
ومجتمعنا تقع عليه المسؤولية، مسؤولية التنمية الشاملة؛ ولأنه مطالب بتحقيق التعاون والتكافل، والدولة بدورها فشأنها أوسع ودورها أكبر لرفع مستوى الأفراد والجماعات في البلاد وأن تتحمل للناس ما لا يستطيعون أو تنوء به قواهم وطاقاتهم، وهي مطالبة بالتشجيع على هذه الأعمال والمضي فيها وتقديم االتعويضات، وإيجاد فرص العمل، ونشر العدل بين الناس وتحقيق التقدم الروحي والمادي لكل مواطن ومواطنة وصدق الله العظيم إذ يقول: “إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المومنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا” [سورة الاِسراء، الآية 9].
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
-
عندما نتحدث حول مفهوم التنمية الشاملة للمجتمع- أي مجتمع- تتبادر إلى أذهان الكثيرين تلك المصطلحات الكبيرة التي تعنى بالبناء التنموي للمجتمع، والارتقاء به حضارياً، مثل مفهوم التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك خطط واستراتيجيات التنمية في إقامة المصانع، وتوسيع نظم التعليم- وخاصة منها المهني- لتوفير القوى البشرية اللازمة لبناء اقتصاد صناعي.. وغيرها من أسس ونظريات البناء التنموي الشامل للشعوب. وكلها نظريات ومفاهيم هامة لمن أراد الارتقاء بمجتمعه وشعبه، والخروج به من إطاراته التقليدية المتخلفة، إلى إطارات أكثر تميزاً وتقدماً، كي يستطيع اللحاق بمجتمعات ما يسمى بـ(العالم الأول).
والسؤال المطروح هنا هو:
كيف يمكن أن نرتقي بمجتمعاتنا- التي تصنف بـ(العالم الثالث)- حضارياً؟
البعض يرى أننا لا نمتلك المقومات التي تؤهلنا للإجابة على هذا السؤال أصلا، وهذا قول خاطئ من وجهة نظري، والبعض الآخر يرى إمكانية الإجابة على هذا السؤال.. ولكن.. كيف نبدأ هذه الإجابة.
وأنا بدوري هنا أحيل القارئ الكريم- والذي يقطن مدينة تعز تحديداً- إلى مثل واقعي بسيط، يعلمنا كيف يمكننا أن نرتقي بمجتمعاتنا تنموياً وحضارياً، إذا وجد فينا أناسا- واخص بالذكر منهم من توكل إليهم مسؤولية بناء الأوطان والمجتمعات- يعملون بإخلاص لصالح مجتمعاتهم وشعوبهم، ومحاولة الارتقاء بها حضاريا وتنموياً.
ذلكم المثل البسيط تجسد- ومنذ قرابة شهرين ونصف تقريباً- في تنظيم الحركة المرورية في هذه المدينة (الحالمة) المكتظة بالسكان، والتي كان يراهن الكثيرون- والذين يضعون في أعينهم نظارات سوداء تحديداً- بأنها لا يمكن أن تنتظم أبدا، نظراً لان ازدحام الحركة المرورية داخل المدينة كان هو الشغل الشاغل لسكان هذه المدينة.
فمنذ قرابة شهرين وأنا ارقب من بعيد، تنفيذ خطة مرورية محكمة، تم إعدادها بدقة متناهية، نالت إعجابي كما نالت إعجاب الكثيرين ممن التقيتهم، وقد ربطت أطراف المدينة ومداخلها بشبكة مواصلات، أدت ليس إلى تخفيف الازدحام فحسب، ولكن- ولا أخالني أكون مبالغاً إن قلت- أنها أدت إلى إنهاء الازدحام تماماً.
وكمواطن عادي بقيت أتساءل ما الجديد الذي طرأ على إدارة مرور تعز فجأة؟!
لا شيء..! فكل ما حدث هو تعيين العميد الدكتور يحيى زاهر مديراً لإدارة مرور تعز مؤخرا، وثم أجدني أخاطب نفسي قائلاً: وما الجديد في ذلك؟ فكل المرافق والمؤسسات تحدث فيها تغييرات إدارية.. وهذا أمر طبيعي. إذا.. ما الفارق بين هذا الرجل وبين الآخرين، واقصد بالآخرين هنا، كل من توكل إليهم مسؤولية بناء الوطن في كل المصالح والهيئات والمؤسسات، سواء منها الحكومية أو الأهلية (ولا اقصد بهذا التشكيك في إخلاص ونية هؤلاء الآخرين في الإصلاح والبناء) ولكني اعتقد أن وجه الاختلاف هو في امتلاك العزيمة والإرادة.
ولربما يقول قائل إنني ابتغي مصلحة من وراء كتابتي لهذا المقال، من مدير إدارة مرور تعز، وأنا أجيب بالقول: نعم.. نعم ابتغي مصلحة، ابتغي أن نتعلم الفارق بين من ينظرون لمفاهيم التنمية الشاملة، وبين من يحاولون صناعتها في واقع حياتهم، أمثال العميد الدكتور / يحيى زاهر، وكل الجنود المجهولين الذين يقفون خلفه لإنجاح هذه الخطة المرورية المحكمة التي اعتبرها من وجهة نظري الشخصية نموذجاً تنموياً، يجب أن يحتذي به.فقبل ان نتحدث عن بناء اقتصاد صناعي، ونظل ندندن في مصطلحات كبيرة، بيننا وبينها مسافات شاسعة، يجب أن نفقه أولا أن الطريق إلى ذلك يكون في خلق وعي تنموي بسيط…
التعليقات