التطورات التاريخية لما بعد سجلماسة.. (3)
منطقة سجلماسة في العصرين الوطاسي والسعدي
2. عصر السعديين (943 هـ/1537م – 1035 هـ/ 1626م)
ففي سنة 1000 هجرية / غشت 1595 ميلادية قام أحمد المنصور، بعد انتصاره على أخيه الناصر قرب مدينة فاس بفضل مساعدة ابنه الشيخ، برد الجميل لابنه فعينه عاملا على تافيلالت يساعده ألف من الرماة.
وفي سنة 1007 هجرية / 1602 ميلادية عين السلطان أحمد المنصور ولي عهده، وابنه المامون عاملا على تافيلالت ودرعة مع تخصيصه بالاستفادة من عائداتها، وذلك قصد إبعاده عن فاس عسى أن يتراجع عن بعض أفعاله المسيئة لسمعته[1]، إلا أن المامون لم يتأخر في التمرد ضد أبيه، فهاجم فاس في نفس السنة قبل أن يطرد من طرف المنصور.
وفي سنة 1010 هجرية / 1603 ميلادية، ومع وفاة أحمد المنصور تصارع أولاده على الحكم، حيث بويع المامون بفاس، وسيطر على تافيلالت التي عين عليها قائده الحاج الميرا.
وفي ما بين سنة 1016 هجرية / 1609 ميلادية و1020 هجرية / 1013 ميلادية عرفت منطقة تافيلالت ظهور حركة ابن أبي محلي الذي بويع من طرف سكان المنطقة سنة 1016 هجرية / 1609 ميلادية. وشكلت تافيلالت القاعدة الأساسية لهذه الحركة السياسية خاصة، وأن أصل متزعمها يرجع إلى زاوية القاضي الموجودة بالمنطقة. فمنها انطلق للسيطرة على واحة درعة التي تعتبر الشريان الأساسي للاقتصاد السعدي، وفيها ضرب السكة باسمه، قبل أن يهجم على السعديين في عقر دارهم، ويسيطر على عاصمتهم مراكش سنة 1017 هجرية / 1610 ميلادية. “وقد اتجه [المرابط ابن أبي محلي] بعد ذلك إلى تافيلالت حيث خاض معركة ضد القائد الميرا انهزم فيها هذا الأخير والذي اضطر إلى الفرار إلى ولاية درعة وفي تافيلالت قام المرابط بفرض الجبايات على الأهالي حيث أرغم الجميع على دفعها. وكان يسوغ قيامه بذلك بحاجته إلى الأموال قصد القتال في سبيل الله، وبهذه التعليلات تمكن كذلك من ضم عدد كبير من الرجال إلى جيشه“[2].
وفي سنة 1019 هجرية / 1612 ميلادية “قام أبو العباس أحمد بن عبد الله –أبو محلي- الذي ينحدر من أسرة معربة من أصل مغراوي ولمتوني، الفقيه والمتشبع بمبادئ الزاوية الرحمونية، بالهجوم على منطقة سجلماسة على رأس 400 إلى 500 من أتباعه“[3]، فاحتل تافيلالت ثم درعة ومراكش.
وكان لقوة هذه الحركة ولكثرة الأتباع الموالين لها، أن شكلت خطرا محدقا بالدولة السعدية فكان ولابد من إخمادها في مهدها قبل اتساع رقعتها. و“لما علم مولاي زيدان بالهزيمة التي لحقت بالقائد الميرا وكيف أن المرابط قتل أغلب الرجال الذين يرافقونه حز في نفسه ذلك كثيرا… قام [القائد] بإعادة تنظيم قواته وقد تم ذلك بشكل سريع وعشوائي“[4]. ولم تنتهي حركة ابن أبي محلي سنة 1020 هجرية / 1613 ميلادية إلا بعدما دخل في الصراع إلى جانب الملك السعدي مولاي زيدان المرابط يحيى بن عبد المنعم الحاحي.
ما بين سنة 1020 هجرية / 1613 ميلادية و1030 هجرية / 1623 ميلادية ظلت تافيلالت تحت حكم الدولة السعدية.
في سنة 1030 هجرية / 1623 ميلادية قامت ثورة أحد أولاد ابن أبي محلي ويدعى أحمد بن عبد الله وهو كذلك من مواليد المنطقة سنة 967 هجرية / 1564 ميلادية. إذ ثار ضد عامل السعديين بتافيلالت، مما اضطر السلطان مولاي زيدان إلى أن ينتقل بقواته إلى المناطق المجاورة لتافيلالت بل وأجبر على تجميد كل نشاطه التجاري والدبلوماسي ريثما يتم القضاء على هذه الثورة. وانهزم المرابط من طرف أحد أبناء السلطان والتجأ إلى توات. “إن احتضان أهل تافيلالت لبيعة مولاي الشريف بن أبي زكريا سنة 1622 وفشلها نستخلص إذن أن المنطقة قد بقيت خلال ما يزيد من أربعة عشر سنة (1609 – 1623) في غليان سياسي مستمر وأن مشروعية الحكم السعدي بها أصبحت مهددة لانعدامها الفعلي“[5].
أما بالنسبة لسنة 1033 هجرية / 1626 ميلادية استغل سيدي علي محمد الجزولي السملالي، الملقب ببودميعة أو أبي حسون، زعيم زاوية تازروالت بسوس، تدهور السلطة السعدية، ومن الفراغ السياسي بتافيلالت، من أجل السيطرة على هذه المنطقة.
مع هذا الحدث دخلت منطقة تافيلالت مرحلة جديدة شهدت الصراع السملالي الدلائي على المنطقة قبل أن ينجح العلويون في طرد كل الخصوم والطامعين، وتوحيد المغرب تحت سلطتهم انطلاقا من هذه المنطقة..
يتبع في العدد المقبل..
—————————————————————–
1. Jacques-Meunié (D): le Maroc Saharien. op-cit. 1°volume pp (551-552).
2. دي هنين خورخي، وصف الممالك المغربية (11603-1613) مذكرة خورخي دي هنين، ترجمة عبد الواحد أكمير. الدار البيضاء، مطبعة النجاح الجديدة، منشورات معهد الدراسات الإفريقية، الطبعة الأولى، دجنبر 1997. 253 صفحة، ص: 138.
3. Bassac: “Sijilmassa d’après les auteurs arabes”, Bulletin de la Société de Géographie d’Alger et de l’Afrique du Nord. 1927; pp.(451-67) p 463.
4. دي هنين خورخي، المرجع السابق، ص: 138- 139.
5. مزين العربي،بداية الدولة العلوية بتافيلالت، مرجع سابق، ص: 42.
أرسل تعليق