التربية العقلية في الإســــلام.. (7)
[مفاهيم التربية]
2. مفهوم التربية الإسلامية
هناك اختلاف مشابه في تحديد تعريف “التربية الإسلامية” كمصطلحٍ علمي حيث إن معظم من كتب في هذا الميدان من سلفنا الصالح لم يحرصوا على إيراد تعريفٍ محددٍ لهذا المصطلح بقدر اهتمامهم وحرصهم على معالجة الموضوعات والقضايا التربوية المختلفة. ولذلك فإن تعريفات الباحثين المعاصرين الذين اهتموا بالكتابة والبحث في ميدان التربية الإسلامية جاءت مختلفةً رغم اتفاقهم في الإطار العام لها؛ إلا أنهم لم يصلوا إلى صيغةٍ واحدةٍ يتفقون عليها جميعاً لتعريفٍ محددٍ وواضحٍ لهذا المصطلح، ولعل ذلك راجعٌ إلى اختلاف مشاربهم، وتباين تخصصاتهم، وتعدد وجهات نظرهم التفصيلية، وهو ما يُمكن أن نلحظه في عرضنا التالي لبعض التعريفات التي اجتهد فيها أصحابها، فقد عرَّفها -زغلول راغب النجار، 1416هـ، ص: 85- بأنها: “النظام التربوي القائم على الإسلام بمعناه الشامل“. أما -عبد الرحمن النقيب، 1417هـ، ص: 17- فيرى أن المقصود بالتربية الإسلامية: “ذلك النظام التربوي والتعليمي الذي يستهدف إيجاد إنسان القرآن والسُنة أخلاقاً وسلوكاً مهما كانت حرفته أو مهنته“. في حين يرى -عبد الرحمن النحلاوي، 1403هـ، ص: 21- أن “التربية الإسلامية هي التنظيم النفسي والاجتماعي الذي يؤدي إلى اعتناق الإسلام وتطبيقه كُلياً في حياة الفرد والجماعة“.
وهنا يمكن القول بأن التعريفات السابقة تؤكد جميعاً على أن التربية الإسلامية نظامٌ تربويٌ شاملٌ يهتم بإعداد الإنسان الصالح إعداداً متكاملاً دينياً ودُنيوياً في ضوء مصادر الشريعة الإسلامية الرئيسة.
وإذا كانت الرأسمالية تعمل على توسيع دائرة الفردية، وتعدها هي الظاهرة البشرية الوحيدة، وتبني منهجها الفكري والفلسفي والتربوي كله على تأكيد هذه الظاهرة، وتوسيع نطاقها، حتى وصلت بها أدنى دركات الأثرة، وتفكيك روابط المجتمع وتشتيت طاقاته، وفي المقابل كانت الاشتراكية تعمل على توسيع الدائرة الجماعية، وتبني كذلك منهجها الفكري والفلسفي والتربوي على تعميق هذه النزعة، حتى بلغت بها تلك النظرة العجيبة، التي تقضي في النهاية إلى سحق الفرد وتحطيم كيانه وسلب حريته وإلغاء إرادته، والتحكم برزقه، وبفكره وشعوره، وتكاد تلغي وجوده، إذ تعتبره ذرة ضئيلة تافهة لا يستمد كيانه إلا بوصفه فردا في القطيع، فإن الإسلام –وهو دين الفطرة- جاء يوفق بقدر ما في طاقة البشر بين النزعتين الفردية والجماعية، يغذيهما معا ويجعلهما متساندتين، بدلا من أن تكونا متضادتين ومتنازعتين “إنه بادئ ذي بدء لا يعتبر إحداهما أصيلة وغيرها دخيل، ولا يعتبر أن تغذية إحداهما تعني بالضرورة الإساءة إلى الأخرى، أو إسقاطها من الحساب… إنه يحتاج إليهما معا؛ لأن الفطرة لا تستقيم بإحداهما دون الأخرى، ولذلك لا يكبت أيا منهما، ولا يزيلها من الوجود“[1].
إن الإسلام قد استطاع أن يوجد صيغة فريدة من الكامل والتوازن والالتقاء بين الفرد والجماعة، على نحو يحقق ذاتية الفرد وحريته وكرامته، ويؤكد في نفس الوقت إيجابية المجتمع ودور الفرد في بنائه، فالإسلام يشمل الفرد والمجتمع بنظرة واحدة شاملة، ووسيلته إلى ذلك تكوين الفرد المتوازن، فمثل هذا الفرد بطبيعة توازنه، لن يعتدي على حقوق غيره؛ لأن الاعتداء ينشأ من الإسراف؛ أي من عدم الوازن في نفس الفرد من الداخل، وحين يكون كل فرد متوازنا في ذاته، يتكون بطريقة ذاتية مجتمع متوازن الأغراض والنزعات، لذلك يعنى الإسلام عناية شديدة بكل فرد على حدة؛ لأنه الوحدة التي ينشأ المجتمع من اجتماعها بغيرها من الوحدات، واللبنة التي يقوم عليها البناء[2].
يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..
——————-
1. إن الإسلام يسعى إلى إيجاد الشخصية المتوازنة في فرديتها، والمتوازنة في ميلها إلى الجماعة، وتعاونها معها، وحينئذ يصبح المجتمع أشخاصا حقيقيين لا أصفارا ولا نكرات، أشخاصا لهم وجود واقعي متساندين في الوقت ذاته: “صفا كأنهم بنيان مرصوص” الصف- الآية 4 – المرجع: عمر عودة الخطيب، المسألة الاجتماعية بين الإسلام والنظم البشرية، ص: 186 محمد قطب : منهج التربية الإسلامية، ص: 104– ج: 1.
2. الدكتور عبد الكريم عثمان، معالم الثقافة الإسلامية، ص: 279.
أرسل تعليق