التربية العقلية في الإســــلام.. (2)
[التربية الإسلامية ودورها في تنمية العقل]
1. نشأة التربية الإسلامية وتطورها
لاشك أن التربية نشأت بظهور الإنسان على الأرض، وشعوره بكيانه باعتباره فردا في مجتمع كالأسرة والقبيلة، وكان هدف التربية في كل مجتمع، وفي كل عصر هو إخراج نمط محدد من الأفراد يلبي حاجة المجتمع في ذلك العصر، وتتمثل فيه ثقافته وحضارته.
وكانت حاجة المجتمع تلك تعكسها الظروف الاقتصادية والتاريخية والثقافية التي يمر بها المجتمع، ولذلك اختلفت صفات النمط المطلوبة في كل فترة من فترات تاريخ المجتمعات، وإن كانت هناك مبادئ تربوية وفكرية تظل ثابتة في مختلف العصور، وهي ما تتعلق بالأهداف الإنسانية من التربية.
وإذا كانت أهداف التربية في القديم والحديث تختلف فيما بينها، وتكاد تتفق في النهاية في الغاية من التربية، وهي: إيجاد الشخصية العالية المؤمنة بأن الأرض أرض الله، والخلق عيال لله فهم إخوة في الخلقة.
لقد جاء الإسلام يربي الإنسان، باعتباره خليفة الله في هذه الأرض، قلبا وروحا، ويربيه جسدا وعقلا، ويربيه أخلاقا وسلوكا، ويصنع منه طاقة كونية فعالة، تهيمن على الكون وتسخره لعمارة الأرض وترقية الحياة على ظهرها: إنسانيا وخلقيا وعلميا وأدبيا وفنيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، وفق التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة.
لقد جاء الإسلام بفلسفة ونظام ومنهاج وشريعة للحياة، وأضاف هذا الجديد إلى الفكر البشري والثقافة البشرية بعد أن عمل على تهذيبها مما علق بهما من الشوائب، إلا أن هذا الجديد الذي جاء به الإسلام هو نمط حياة ينتقل إلينا عير الأجيال بمعزل عن التربية. وبالرغم من القول بأن التربية الإسلامية قد صاحبت الإسلام، منذ الأيام الأولى للدعوة، قوا واسع الانتشار بين المهتمين بأمر التربية الإسلامية، سواء في إطارها الفلسفي أو في إطارها التاريخي على السواء، فإن هذا القول بعيد عن الدقة، بالرغم من أن الذين قالوا به يعدون من فريق المنصفين للإسلام، والمنصفين للتربية الإسلامية –سواء كانوا مسلمين أو كانوا إسلاميين-[1]، “ذلك أن التربية الإسلامية قد سبقت الدعوة إلى الإسلام، ولم تتزامن معها، والذين قالوا بتزامن التربية الإسلامية مع الدعوة يبدأون بالتربية الإسلامية من حلقة منها، لا تعد حلقتها الأولى، وإنما تعد الثانية”[2]، فما هي الحلقة الأولى؟ وما هي المدرسة الأولى التي تم فيها إعداد تلك الحلقة الأولى؟
يتبع في العدد المقبل…
————————-
1. هناك من يرى أن كلمة “إسلاميون” تطلق على المهتمين بالإسلام من غير المسلمين.
2. د. عبد الغني عبود، في مقدمة كتاب “فلسفة التربية الإسلامية في الحديث الشريف”، الدكتور عبد الجواد سيد بكر، ص: 36.
أرسل تعليق