البرزخ البحري
قال الله سبحانه وتعالى: “مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان” [الرحمن، 19-20]. تشير هذه الآية القرآنية الكريمة إلى ظاهرة مائية فريدة جذبت فضول علماء البحار.. فكانت منذ القرن السابع عشر وما تزال موضوع دراسات في ميدان علم البحار والمحيطات. يتعلق الأمر بحاجز مائي يفصل بين بحرين مختلفين، فلماذا يحول هذا الحاجز دون اختلاطهما؟
عندما يلتقي بحران مختلفان يختلطان ولكنهما لا يمتزجان؛ فهما يشكلان سائلا واحدا إنما يفصلهما حاجز لا يسمح بامتزاجهما. عندما تلتقي مياه المحيط الأطلسي بمياه البحر الأبيض المتوسط التي هي الأثقل منها تبقى هذه الأخيرة في الطبقات السفلى وتتدفق غربا نحو المحيط الأطلسي، كما لا تختلط مياه البحر الأسود عندما تلتقي بمياه البحر الأبيض المتوسط في مضيق البوسفور بل تشكلان مجريين منفصلين؛ فمياه البحر الأول تجري في الأعلى لأنها الأخف، ومياه البحر الأبيض المتوسط تجري في الأسفل لأنها الأثقل.
كان علماء البحار يتعرفون على منطقة تلاقي البحرين بدراسة كيمياء المياه وكذلك البيئة المائية وأنواع المخلوقات الحية الموجودة بكلى الجانبين، إلا أنهم لم يتأكدوا من وجود الحاجز المائي “البرزخ” إلا بفضل الصور التي التقطتها السفن الفضائية والتي تظهر وجود منطقة ذات لون خاص يفصل بين البحرين الذين يظهران في الصور بلون مغاير تماما. إن عرض البرزخ الموجود بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي يبلغ خمسة عشر كيلومترا. وجد علماء البحار، ومن بينهم عالم البحار الكبير كوستو، أن هذه المنطقة تتكون من مياه من نوع مختلف عن مياه البحرين من حيث الكثافة والحرارة وكذا بعض الحيوانات المائية التي لا تعيش إلا بالمنطقة الفاصلة. قام العلماء بخلط عينات مياه من البحر الأبيض والمحيط الأطلسي والمنطقة الفاصلة فاختلطت على ظهر السفينة في حين تبقى منفصلة في البحر.
إن دعوة سيد الخلق دعوة عامة شاملة لكل مكان وزمان، فعصر العلم والازدهار التكنولوجي يؤكد هذه الحقيقة النبوية المعجزة باكتشاف الآيات الربانية في مخلوقات الله سبحانه وتعالى المذكورة في القرآن. لقد أظهرت صور الأقمار الاصطناعية، بالأشعة ما تحت الحمراء، الحواجز الموجودة بين مياه البحار والمحيطات، إنها حواجز كيميائية تمنع طغيان بحر على الآخر وهي لا ترى بالعين المجردة؛ تعتبر هذه الظاهرة معجزة من المعجزات التي أكرم الله بها رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، المبعوث رحمة للعالمين؛ قال الله عز وجل: “وقل الحمد لله سيريكم ءايته فتعرفونها” [النمل، 93].
فسبحان من مرج البحرين فاختلطا دون أن يمتزجا؛ فالبرزخ حاجز كيميائي يسمح للمياه بالمرور من بحر إلى آخر لكنه يمنع الخصائص والميزات الموجودة في بحر بأن تطغى على ميزات البحر الآخر. لقد أكدت الدراسات العلمية البحرية أن وجود الحواجز بين البحار أمر ضروري للحفاظ على بيئة وثروات كل بحر فقد جعلها بديع السماوات والأرض سببا للحفاظ على التنوع البيئي.
المراجع:
1. عدنان الشريف، من علوم الأرض القرآنية (الثوابت العلمية في القرآن الكريم)، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثالثة، 2000م.
2. ماهر أحمد الصوفي، الموسوعة العلمية الكبرى، آيات الله في نشأة الحياة على الأرض وظهور الإنسان وفي البحار والمحيطات والأنهار، المكتبة العصرية، بيروت، 2008م.
أرسل تعليق