البديل الإسلامي في التمويل الاقتصادي.. (3)
[التمويل الربوي والأزمة الاقتصادية العالمية]
كما أن الربا بأشكاله الجديدة وصوره المستحدثة وأنواعه المتجددة وصيغه المختلفة، يكاد يغزو الكرة الأرضية من مشرقها إلى مغربها ومن جنوبها إلى شمالها سواء أكان ذلك بأساليب مباشرة أو غير مباشرة بوسائل معلنة أو خفية، بل لا يكاد يسلم أي أحد من الحيل الربوية المبتدعة ببراعة على شكل قروض ومستندات أو على شكل بطاقات ائتمانية أو على شكل بيوع آجال ومديونات. فظاهرة الربا ما هي إلا تعبير عن وجود أزمة اجتماعية تمس الفرد والأسرة والمجتمع والعالم بأسره، وهي كارثة فظيعة تترتب عنها نتائج متعددة. وعندما يمتلك المرابي موقع القيادة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، تصبح الأزمة نظاما اجتماعيا له قوانينه وثقافته وعلاقته وفنونه وسيكولوجيته التي تخدم جميعها نظام الربا. إن العالم الذي نعيش فيه اليوم محكوم بنظام عالمي ربوي تقوده مؤسسات مرابية لها مصلحة في تعميق أزماته أكثر فأكثر.
وهكذا نجمت الأزمة المالية المعاصرة في أساسها عن تدافع الدول للعيش برفاهية تفوق قدراتها وإمكانياتها، واعتماد المستهلك فيها في تمويل ذلك على الديون بدلاً من اعتماده على ارتفاع مستوى الدخل الحقيقي، مما شكل ديوناً فاقت بكثير قدراتهم على السداد[1]. ومع ارتفاع مقدار السيولة الموجودة في الأسواق العالمية التي ساعدت عليها سياسات تخفيض سعر الفائدة مع ما رافق ذلك من رغبة أصحاب رؤوس الأموال في جني المزيد من الأرباح، أدى ذلك إلى زيادة إمكانية منح القروض وتمويل الأفراد والشركات لمستوى إنفاقهم من خلال تقنيات مالية معقدة في أسواق المال الأمريكية والعالمية، مما ضاعف من عدد البنوك الاستثمارية بصورة مطردة دون خضوعها لمراقبة صارمة.
ونتيجة لهذه السياسة الإغراقية وحالة التشبع التي أصابت التمويل العقاري، انتقل اتجاه أسعار الفائدة من الانخفاض إلى الارتفاع المستمر قصد تحفيز الاستثمار وتنشيط الاقتصاد، حيث وصلت إلى 5.25% فنتج عن ذلك عجز أصحاب القروض عن تسديد الأقساط المستحقة عليهم وبالتالي زيادة معدلات حجز البنوك على عقاراتهم، حتى بلغت 93% وفقد أكثر من مليوني أمريكي ملكيتهم لها[2]، مما دفع مصادر التمويل للمطالبة بأموالها بصورة مفاجئة لانعدام الثقة بالنظام المالي ومؤسساته، وخاصة بشركات الرهن العقاري التي تسببت لاحقاً بانعدام الثقة بالمؤسسات المالية الكبرى التي تقوم بتمويل هذه الشركات. وفي المقابل أخذت البنوك تتشدد في معايير الإقراض مما أدى إلى رفع تكلفته على المؤسسات والمستهلكين، وهذا ما جعل الاقتصاد يدور في حلقة مفرغة[3]، فكانت هذه هي الشرارة الأولى للأزمة.
وخلصت التقارير المختلفة التي أصدرتها المؤسسات المالية العالمية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي بتفاقم الأزمة المالية العالمية لتصبح أزمة اقتصادية واسعة. ففي تقرير صدر في أبريل (نيسان) من عام 2009 م أشار إلى أن الأزمة المالية ستكلف أكثر من أربعة ترليون دولار، وذلك بسبب شطب الديون الهالكة، وقال الصندوق إن الكلفة الإجمالية المقدرة بنحو 4,054 ترليون دولار تشمل خسائر في الأصول المنبثقة من الولايات المتحدة بقيمة 2,612 ترليون دولار، بينما قد تصل خسائر الدول الاوروبية إلى 1,193 ترليون دولار، واليابان إلى 149 مليار دولار[4]…
يتبع في العدد المقبل..
———————————-
1. لطفي، علي: “الأزمة المالية العالمية، الأسباب، التداعيات، المواجهة”، مؤتمر تداعيات الأزمة المالية وأثرها على اقتصاديات الدول العربية. تنظيم المنظمة العربية للتنمية الإدارية، شرم الشيخ، مصر 4-5 ابريل 2009 (ص 6).
2. إدارة البحوث والدراسات الاقتصادية لمجلس الغرف السعودية: الأزمة المالية العالمية وتداعياتها على الاقتصاد السعودي. 11 شوال 1429 هـ\ 10/10/2008 م: http://www.saudichambers.org.sa/Images/financial_crisis2.pdf
3. قنطقجي، سامر مظهر: ضوابط الاقتصاد الإسلامي في معالجة الأزمات المالية العالمية. دمشق، دار النهضة 2009 [103 صفحات] (ص64).
4. التقرير منشور على موقع الاقتصادية الإلكترونية، بتاريخ 15/6/ 2009 www.aleqt.com/2009/02/02/article_191474.htm
أرسل تعليق