البديل الإسلامي في التمويل الاقتصادي.. (1)
شكلت الأزمات الاقتصادية عبر العصور أهم الجوانب المؤثرة في حياة الأمم وخاصة على سلوك الأفراد وتصرفاتهم، ومن هنا فإن الدين الإسلامي الحنيف قد وجه نظر الإنسان إلى خطورة هذه المعضلات، ووضع لحلها أسسًا واقعية تشكل الخطوط الرئيسة لنظامه الاقتصادي المتداخل مع أنظمته الأخرى المتكاملة، والتي تنظم الحياة الإنسانية تنظيمًا شاملا ودقيقًا يوفر له الأمن والطمأنينة والسعادة.
والأزمة العالمية الحالية رشحت البديل الإسلامي بقوة لإنقاذ الاقتصاد العالمي وبشكل خاص في جانب التمويلات. هذا الأمر لم يقتصر على مجرد اهتمام الصحافة الغربية بتحليل جوانب الاقتصاد الإسلامي، بل تعدى ذلك إلى قيام العديد من المؤسسات المصرفية الغربية، وخاصة الأمريكية والبريطانية، بصياغة أوضاعها وتعاملاتها وفق الشريعة الإسلامية التي تحرم الربا. كما شهدت المراكز المالية في الدول الكبرى إقبالاً على دراسة مبادئ التمويل الإسلامي، وبحثت كيفية الاستفادة منها في تعديل أوضاعها النقدية، بل وانتقل الأمر إلى البرلمانات والمجالس التشريعية لتقنين مناخ يسمح بالاستفادة من معطيات التمويلات الإسلامية، في سبيل إيجاد حلول ناجعة لمشكلة الديون والودائع، حفاظًا على الأموال العامة والخاصة.
ويعتبر التمويل أحد أهم دعامات الحياة الاقتصادية لأي مجتمع من المجتمعات مهما تباينت درجة تمدنه وتطوره، لأنه الجسر الذي يربط بين وحدات العجز ووحدات الفائض فيه، وحاجة أصحاب الأموال لاستثمارها عن طريق الصيغ المختلفة للتمويل، حيث يقدم من يملك رأس المال إلى طالبه ما يحتاجه من نقود أو أشياء ليتخذ بشأنها قرارات استثمارية. فالتمويل هو بصيغة أدق: “أن يقدم شخص لآخر عناصر إنتاجية دون أن يطلب منه السداد الفوري لقيمتها“[1]، وتقدم هذه الأموال بهدف الاسترباح والحصول على عائد مالي من خلال ما تفرضه طبيعة العلاقة التمويلية بين مقدم التمويل وطالبه.
والتمويل الإسلامي يتميز كامل التميز عن باقي الأنظمة التمويلية المعروفة اليوم، فهو ليس بآلي هدفه الربح وحده أو الكفاية الاقتصادية وحدها، وإنما يرمي إلى خلق إنتاج يفي بحاجة الإنسان وضروراته، وشيء من كمالياته دون إفراط ولا تفريط وبدون ضرر ولا ضرار..
يتبع في العدد المقبل…
———————————————–
1. قحف، منذر، مفهوم التمويل في الاقتصاد الإسلامي. المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، جدة، الطبعة الثانية، 1998- [60 صفحة]، ص12.
أرسل تعليق