البحر المسجور
قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: “وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ” [ الطور، 1-6]، أقسم رب العزة من خلال هذه الآيات خمس مرات تأكيدا منه سبحانه على وعيده لمن اتبع هواه وزاغ عن العروة الوثقى. ورد ذكر البحر المسجور في هذا القسم في زمن لم يكن أحد يلم بوجود هذه الظاهرة المدهشة التي تتطلب مراكب متطورة وغواصات مجهزة لمعاينتها.
البحر المسجور لغويا يعني ماء البحر الذي أوقد عليه حتى أصبح حارا، وهذا المعنى يؤكده حديث نبوي شريف حيث قال نبينا المقتفى عليه أزكى الصلاة والتسليم: “لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله؛ فإن تحت البحر نارا، وتحت النار بحرا” [سنن أبي داود] وفي مصنف ابن أبي شيبة جاء الحديث كالتالي: “إن تحت البحر نارا، ثم ماء، ثم نارا” فكيف يكون البحر مسجورا؟
لقد أثبتت الاكتشافات العلمية في ميدان علوم الأرض والمحيطات أنه توجد تحت طبقات الغلاف الصخري للأرض طبقات ملتهبة تسبب حدوث صدوع في القشرة الأرضية. تتركز هذه الصدوع في قاع البحار والمحيطات وتخرج منها صهارة صخرية ملتهبة.
تندفع الملايين من الأطنان من هذه الصهارة الصخرية، فتؤدي إلى تسجير المياه العميقة للبحار والمحيطات. فبالرغم من هذه الكميات الهائلة من الماء لا تنطفئ جذوة هذه الحرارة العالية كما أن شدة هذه الحرارة التي تصل إلى أكثر من ألف درجة مئوية لا تستطيع أن تبخر الماء بكامله.
اكتشفت هذه الظاهرة الطبيعية أثناء الحرب العالمية الثانية من طرف غواصة ألمانية كانت تعبر البحر الأحمر. رأى ركابها أخاديد تخرج الحمم واللهب. وبعد انتهاء الحرب انكب العلماء والباحثون لدراسة هذه الظاهرة العجيبة..
عرف الإنسان بعد تجارب عديدة واختراعات كثيرة وتضحيات مهمة في سبيل تطوير وسائل البحث والدراسة بوجود الأخاديد في كل البحار والمحيطات بنسب متفاوتة ثم عرف دورها الأساسي في حفظ توازن الأرض. تمثل البحار أربعة أخماس الكرة الأرضية كما أن سمك القشرة الأرضية بها أقل منها على اليابسة، فمن الطبيعي وجود هذه الصدوع والشقوق بها.
صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام حينما قال: “القرآن لا تنقضي عجائبه ومن عجائبه أن المتدبر فيه يرى من غرائبه كل يوم ما لا يراه بالأمس” إن تدبر الصياغة القرآنية لهذا القسم يبهر عقل كل عاقل أنار الله فهمه ليذوق حلاوة الدقة العلمية واللغوية الفائقة لوصف البحر بلفظة المسجور. لا توجد كلمة أخرى تغني عن هذه الكلمة؛ لأن الحمم المندهقة من الصدوع لا تكون مشتعلة لعدم وجود الأكسجين في قاع البحر بل تكون داكنة شديدة الحرارة.
كان للقرآن الكريم والسنة النبوية السبق للإشارة إلى هذه الحقيقة الأرضية، فسبحان من علم خاتم أنبيائه من العلوم الكونية في زمن كانت فيه المعارف العلمية جد محدودة.
المراجع
1. ماهر أحمد الصوفي، الموسوعة العلمية الكبرى، آيات الله في نشأة الحياة على الأرض وظهور الإنسان وفي البحار والمحيطات والأنهار، المكتبة العصرية صيدا بيروت، 2008م.
2. نادية الطيارة، موسوعة الإعجاز القرآني في العلوم والطب والفلك، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، مكتبة الصفاء أبو ظبي، 2007م.
-
السلام عليكم هذا الحديث صحيح
-
"لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله؛ فإن تحت البحر نارا، وتحت النار بحرا"
فلم يكن أحد على وجه الأرض يعلم هذه الحقائق قبل عقود قليلة، وورودها بهذه الدقة العلمية في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم هو من الأمور المعجزة حقا والشاهدة بصدق نبوته وكمال رسالته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
يقول عز زجل في كتابه العزيز في حق رسوله الكريم في بسورة النجم: "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى".
التعليقات