الإفتتاحية
بسم الله الرحمان الرحيم
ولد الهدى فالكائنات ضياء
قدر الإنسان .. هذا المخلوق المتفرد، أن يكون جامعا في ذاته الصغيرة لعوالم!
وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
عوالم تتساكن في هذه الكينونة المسمّاة إنسانا إما بوئام أو بتنافر، فبعد روحاني غيبي من أمر الله “ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلا” [سورة الإسراء، الآية: 85]، وبعد طينيّ يلتحق عبره الإنسان برحمه الأرضي ملتقيا فيه وبه مع سائر الكائنات فوق هذا الكويكب، ثم بعد عقلي فيه تمثل الذات والمحيط، وقيام على نقل مفردات الوجود العينيّ المشخص، والوجود الشفهي والبنانيّ والافتراضيّ إلى الوجود الذهني. وهو بعد تتأسس به شبكات التواصل، والتعاطي، والتخادم بين بني هذا النوع الفريد…
ومن أكبر التحديات التي تواجه الإنسان بهذا الصدد، إرساء الجسور التفاعلية بين مختلف هذه الأبعاد، ومختلف مراتب الوجود نحو تكامل تصاعدي، وهذا التجسير له ضوابطه، ومقتضياته، ومناهجه، وكتلة الضوابط والمقتضيات والمناهج هذه تشبه النواة التي تنتظم في الذرة مختلف الكهارب وتمنعها من الطيش والتفلت، غير أنها لا تقوم بهذه الوظيفة إلاّ إن كانت منسجمة متماهية ومتماسكة.
وهذه الهندسة للكينونة الإنسانية من أكثر الهندسات تركيبا نظرا للدّقة المقتضاة فيها، غير أن رحمة الله للعالمين بمولد الهدى عليه الصلاة والسلام، صيّر الكائنات ضياء، فإذا بهذا التركيب يستحيل بيانا بأنواره عليه الصلاة والسلام، وتجليا في ذاته الشريفة، وانسحابا عبر سنّته المشرفة وسيرته المطهّرة.. فإذا ب”الكمال” بسموقه يُرتّب وظيفيّا فيصير “تكميلا” تدرجيا في متناول كلّ من شدّ عزمه، ورام بلوغ محبّة الله،”قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله” [سورة ال عمران، الآية: 31].
وإذ ها قد أظلتنا مناسبة المولد الشريف، فإننا نحمد الله سبحانه على إنعامه بالتشريف بتصيير سيدنا محمد الأمين لنا نبيّا، منشدين مع من أنعم قائلا:
ومما زادني شرفا وعزّاً وكدت بأخمصي أطأ الثّريا
دخولي في قولك يا عبادي وأن صيّرت أحمد لي نبيّا
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق