الإعجاز العلمي في القرآن والسنةنموذج متفرد (2/2)
توقفنا في الجزء الأول من هذا المبحث عن التساؤل التالي: أين هو مستقر الشمس الذي تحدث عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: “وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا”؟
نقرأ في التفسير اللغوي “والشمس تجري لمستقر لها” أي لمكان لا تتجاوزه وقتاً ومحلاً. وقيل لأجلٍ قُدِّر لها؛ وفهم المفسرين، فقد أشار علماء التفسير كالرازي والطبري والقرطبي استنباطاً من الآيات القرآنية أن الشمس كالأرض وغيرها من الكواكب، هي في حالة حركة وسَبْحٍ دائمة في مدار خاص بها.
أما عن المعطيات التاريخية، فقد استطاع الصينيون والبابليون أن يتنبؤوا بالكسوف والخسوف ثم ازداد الاهتمام بعلم الفلك في عهد اليونان، فقرر طالس وأرسطو وبطليموس أن الأرض ثابتة، وهي مركز الكون، والشمس وكل الكواكب تدور حولها في كون كروي مغلق.
ومعلوم أنه في بداية القرن الثالث قبل الميلاد جاء “أريستاركوس ” (Aristarchus) بنظرية أخرى، فقد قال بدوران الأرض حول الشمس، ولكنه اعتبر الشمس جرماً ثابتاً في الفضاء، ورفض الناس هذه النظرية وحكموا على مؤيديها بالزندقة وأنزلوا بهم أشد العقاب، وبقي الأمر على تلك الحال حتى انتهت العصور الوسطى.
وحتى القرن السابع عشر كان الاعتقاد السائد في الأوساط المسيحية أن الأرض هي وسط العالم، وأن الأرض مسطحة وفي آخر الأفق حيث تغرب الشمس تكمن جهنم بكل ما فيها من حساب وعقاب وتعذيب.
ففي عام 1543 نشر العالم البولوني “كوبرنيكوس” (Copernicus) كتابه عن الفلك والكواكب وأرسى في كتابه نظرية دوران الأرض حول الشمس، ولكنه اعتبر أيضاً أن الشمس ثابتة كسلفه أريستاركوس.
ثم بدأت تتحول هذه النظرية إلى حقيقة بعد اختراع التلسكوب، وبدأ العلماء يميلون إلى هذه النظرية تدريجياً إلى أن استطاع العالم الفلكي الإيطالي “غاليليو” (Galileo) أن يصل إلى هذه الحقيقة عبر مشاهداته الدائمة وتعقّبه لحركة الكواكب والنجوم وكان ذلك في القرن السابع عشر، وفي القرن نفسه توصّل “كابلر” (Kepler) العالم الفلكي الألماني إلى أن الكواكب لا تدور حول الأرض فحسب بل تسبح في مدارات خاصة بها إهليجية الشكل حول مركز هو الشمس. إن هذا النموذج الذي دفع الغربيين للفصل بيد الدين والعلم لم يشهده التاريخ الإسلامي أبدا، يقول الله عز وجل: “كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى” [سورة الرعد، الآية 2]. وقال سبحانه: “وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ” [سورة يس، الآية 40].
وقال عز وجل: “وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم” [سورة يس، الآية: 38]. وقال عز وجل: ” كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى” [سورة الرعد، الآية 2]، وقال سبحانه: ” وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ” [سورة يس، الآية 40].
يقول المولى عز وجل في كتابه المجيد : “وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم” [سورة يس، الآية 38]، تشير الآية القرآنية الكريمة إلى أن الشمس في حالة جريان مستمر حتى تصل إلى مستقرها المقدّر لها، وهذه الحقيقة القرآنية لم يصل إليها العلم الحديث إلا في القرن التاسع عشر الميلادي حيث كشف العالم الفلكي “ريتشارد كارينغتون” أن الشمس والكواكب التي تتبعها تدور كلها في مسارات خاصة بها وفق نظام ومعادلات خاصة، وهذا مصداقا لقوله تعالى: “كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى” [سورة الرعد، الآية: 2]، فما هو التفسير العلمي لحركة الشمس؟
إن الشمس نجم عادي يقع في الثلث الخارجي لشعاع قرص المجرّة اللبنية، وكما جاء في الموسوعة الأمريكية فهي تجري بسرعة 220 مليون كلم في الساعة حول مركز المجرة اللبنية التي تبعد عنه 2.7 × 10 17كلم ساحبة معها الكواكب السيارة التي تتبعها بحيث تكمل دورة كاملة حول مجرتها كل مائتين وخمسين مليون سنة.
فمنذ ولادتها التي ترجع إلى 4.6 مليار سنة، أكملت الشمس وتوابعها 18 دورة حول المجرة اللبنية التي تجري بدورها نحو تجمع من المجرات، وهذا التجمع يجري نحو تجمع أكبر هو كدس المجرات، وكدس المجرات يجري نحو تجمع هو كدس المجرات العملاق، فكل جرم في الكون يجري ويدور ويسبح ونجد هذه المعاني العلمية في قوله تعالى: ” وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُون” [سورة يس، الآية 40].
ولكن أين هو مستقر الشمس الذي تحدث عنه القرآن الكريم في قوله تعالى: “وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا”؟
إن علماء الفلك يقدّرون بأن الشمس تسبح إلى الوقت الذي ينفد فيه وقودها فتنطفىء، هذا هو المعنى العلمي الذي أعطاه العلماء لمستقر الشمس، هذا بالإضافة إلى ما تم كشفه في القرن العشرين من أن النجوم كسائر المخلوقات تنمو وتشيخ ثم تموت، فقد ذكر علماء الفلك في وكالة الفضاء الأميركية (NASA) أن الشمس عندما تستنفذ طاقتها تدخل في فئة النجوم الأقزام ثم تموت وبموتها تضمحل إمكانية الحياة في كوكب الأرض – إلا أن موعد حدوث ذلك لا يعلمه إلا الله تعالى الذي قال في كتابه المجيد: ” يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُو”. [سورة الأعراف، الآية: 187].
فوجه الإعجاز في الآيات القرآنية الكريمة بيِّن، وهو تقريرها بأن الشمس في حالة جريان وسَبْحٍ في الكون في زمن كان الكل يقول بثباتها، هذا ما كشف عنه علم الفلك الحديث بعد قرون من نزول القرآن الكريم، والذي لم يصحح فقط المفاهيم الإنسانية في الموضوع، بل يتحدث عن مستقر الشمس،
يقول تبارك وتعالى متحدثاً عن حقيقة علمية لم يكن لأحد علم بها وقت نزول القرآن: “وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ” [سورة يس، الآية: 38]. ففي هذه الآية العظيمة نحن أمام كلمة جديدة وهي “مستقر الشمس”، هذه العبارة لم يفهمها أحد زمن نزول القرآن، ولكننا اليوم نجد العلماء يتحدثون عن حقيقة كونية جديدة وهي ما أطلقوا عليه اسم solar apex. ولو سألنا علماء وكالة الفضاء الأمريكية “الناسا” عن مستقر الشمس، فإنهم يقدمون تعريفاً وهو:
The solar apex is the direction toward which the Sun and the solar system are moving
إن مستقر الشمس هو الاتجاه الذي تجري الشمس والمجموعة الشمسية نحوه. إن هذا التعريف يتطابق تماماً مع التعريف القرآني للكلمة، فالقرآن يقول: “وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا”، والعلماء يقولون: إن الشمس تجري باتجاه نقطة محددة هي مستقر الشمس. وفي ذلك سبق علمي للقرآن حيث تحدث عن جريان الشمس، وتحدث عن مستقر للشمس.
وفي علم البيولوجيا، نعلم مثلا أنه في علم الأجنة وحتى أواخر القرن 19 الميلادي كان الغرب يتصور أن الجنين يخلق مكتملا، إما في الحيوان المنوي للرجل أو في الخلية البيضية للمرأة… وهو تصور خاطئ امتد عبر تاريخ البشرية صححه الإسلام ومنذ بعثة الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم…
ففي مسند الإمام أحمد أنه مر يهودي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله مم يخلق الولد يا محمد فقال: من كل يخلق يا يهودي من ماء الرجل وماء المرأة… ودافع المفسرون عن التصور الإسلامي رغم الظروف العلمية الغير المناسبة، فنقرئ مثلا عند ابن حجر العسقلاني أنه قد زعم كثير من أهل التشريح أن مني الرجل لا أثر له في الولد إلا في عقده، وأنه إنما يتكون من دم الحيض وأحاديث هذا الباب تبطل ذلك (1448م).
وكان للقرآن الكريم السبق التاريخي على العلوم الحديثة بتصحيح المفاهيم في علم الأجنة، وعلى امتداد أربعة عشر قرنا حيث قرر أن للمني خلقة لم تبدأ البشرية في اكتشافه إلا سنة 1677، ولم تتوصل البشرية لمعرفة طبيعته وطريقة تشكله حتى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين… مصداقا لقوله تعالى :”أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون”. [سورة الواقعة، الآية: 62]. ي كون الجنين يخلق أطوارا؛ وفي كونه يخلق من ماء الرجل وماء المرأة؛ وأيضا، في تحديد مراحل خلق الجنين بوصف أدق مما هو عليه في ا لكتب العلمية المختصة، وفي كونه يصبح مهيأ للحياة خارج الرحم بعد تمام الشهر السادس؛ وأن الله يخلق خلقا لا يشبه بالضرورة ما نألفه من أنواع الحياة المحيطة بنا؛ في كون تدفق المني والخلية البيضية “الماء الدّافق” يكون من بين الصُّلْبِ والتَّرائِب قال الله تعالى: “فلينظر الإنسان مِمَّ خُلِقَ، خُلِقَ مِنْ مّاءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرائِب” [سورة الطارق، الآيتان: 6 -7)؛ وقد نفى القرآن الكريم قول اليهود للمسلمين أنه من أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولده أحول: فعن محمد بن المكدر، عن جابر بن عبد الله. قال: إن اليهود قالوا للمسلمين من أتى امرأته وهي مدبرة جاء ولده أحول. فأنزل الله تعالى: “نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكمأنا شئتم” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مقبلة ومدبرة ما كان في الفرج. (رواه البخاري 8/154 ومسلم 4/156).
أما في علم الجيولوجيا، فقد كان فلاسفة الحضارة الإغريقية من قبل ذلك يعتقدون أن الماء المتجمع تحت سطح الأرض مندفع إلى داخل القارات من ماء البحار والمحيطات بتأثير حركة الرياح، وأن الماء المخزون في صخور الأرض يعاود الحركة إلى المحيطات عبر هوة خيالية سحيقة أطلقوا عليها اسم تاتار، وقد سادت هذه الخرافات فكر الحضارة الإغريقية وتبناها العديد من فلاسفتهم من أمثال طاليس في القرن السابع قبل الميلاد، وكل من أفلاطون وأرسطو( في القرن الرابع قبل الميلاد)، وأضاف الأخير أن بخار ماء التربة يتكثف في التجاويف الباردة للجبال مما يشكل بحيرات تحت سطح الأرض تغذي الينابيع المائية، وقد تبعه في ذلك سينيكا ( في القرن الأول الميلادي)، واستمر اعتقاد الأوروبيين في هذه الخرافات حتى أواخر القرن التاسع عشر الميلادي(1877 م) على الرغم من أن عالما فرنسيا باسم برنارد باليسي (BernardPalissy) كان قد أشار في سنة1580 م (أي بعد بدء تنزل القرآن الكريم بنحو القرون العشرة) إلى أن الماء الأرضي يعود أصله إلى ماء المطر، ووافقه على ذلك كل من ماريوت (E.Mariotte) وبيرو (P.Perraut) في القرن السابع عشر الميلادي، وعارض الجميع بالخرافات القديمة واحد من أبرز مفكري القرن السابع عشر وهو رينيه ديكارت (René Descartes) المتوفى سنة 1650 ميلادية.
ومن الثابت علميا اليوم أن الماء الذي خزن في صخور الأرض بتقدير من الله سبحانه وتعالى أصله كله من ماء المطر الذي أنزله ربنا تبارك وتعالى على فترات متطاولة من الزمن، وأن هذا الماء يتحرك رأسيا في مناطق التشبع السطحية، ثم يتحرك أفقيا أو مائلا حتى يخزن في أحد مكامن الماء التي أعدتها الإرادة الإلهية بحكمة بالغة، لمدد قد تطول إلى عدة آلاف من السنين، وقد تتجدد بماء المطر السنوي أو لا تتجدد، وقد يصادف هذا الماء المخزون تحت سطح الأرض في حركته بعض الصدوع، أو الفواصل أو الشقوق فيصعد منها إلى سطح الأرض على هيئة ينابيع أو عيون مائية، ولذلك قال ربنا تبارك وتعالى: “… فسلكه ينابيع في الأرض” [سورة الزمر، الآية: 21].
هذا التصحيح والتحدي بدأ ببداية الإسلام وامتد عبر التاريخ.
اليوم يمكننا القرآن الكريم وسنة نبينا الكريم عليه أشرف التسليم ونحن في القرن الواحد والعشرين أن نفرق بين النجوم الطارقة النوترونية والثقوب السوداء الخانسة والكانسة، وأن نعرف موقعنا في الكون، ومعرفة النظام الشمسي وأصل الكون.. ويمكننا من رحلة علمية ممتعة وهائلة في ميادين الكون والحياة.. فهو نموذج لا يوجد مثيله؛ لأنه من عند الله..
أرسل تعليق