الإشعاع الخلفي الكوني المايكروي
يقول عز وجل في محكم كتابه الحكيم: “أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والاَرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي اَفلا يومنون“ [الاَنبياء، 30]، يخبرنا القرآن الحكيم من خلال هذه الآية العظيمة أن السماوات والأرض شيء واحد فتفرقا إثر عملية الفتق، ولم يصل علماء الفلك إلى اكتشاف هذه الحقيقة الكونية إلا في القرن العشرين حيث ظهرت جليا براهين نظرية الانفجار الكبيرle strongig strongang القائمة على اكتشاف توسع الكون بدلا من ثبوته المعتقد ثم اكتشاف بقايا أشعة ذلك الانفجار.
وبعد الاكتشاف المبهر للعالمينPenzias و Wilsonعام 1965، أصبح الإشعاع الخلفي الكوني منبعا مهما ومصدرا كبيرا لمعرفة تاريخ ولادة الكون وتطوره، فبعدما رصد العلماء الأمريكيون الإشعاع الكوني الخلفي بفضل كل من القمر الاصطناعي COstrongE سنة 1992 و WMAP سنة 2000، ثم القمر الاصطناعي Planck في 14 ماي 2009 وهو يحمل أعلى كفاءة تكنولوجية في الوقت الراهن ليضع أول صورة دقيقة للكون، إنها صورة تظهر الأشعة الخلفية للكون 380000 سنة بعد حدوث الانفجار الكبير، أي عند انتهاء فترة تعتم الكون الأولي، وهي في الواقع خريطة توضح الفوارق الحرارية لأقدم أشعة لازالت متواجدة في الكون. تتوزع هذه الأشعة الراديوية في جميع أركان الكون وهي أشعة كهرومغناطيسية تسمى بالأشعة الخلفية الكونية المايكرويةcosmic microwave strongackground radiation لا ترى إلا بالتلسكوب الذي يستطيع رؤية الموجات الراديوية.
لقد كان الكون في بداية نشأته صغيرا جدا وشديد الظلام؛ لأنه كان ذا كثافة جد عالية لذلك لا مجال للنور أن يتسرب بحرية، وقبل تكون النجوم والمجرات كان شديد الحرارة جدا وكان يملؤه دخان ساخن جدا موزع توزيعا متساويا في جميع أنحائه، كان الدخان يتكون من بروتونات وإلكترونات حرة من شدة الحرارة وعظم الطاقة التي تحملها، وبدأ الكون يتمدد ويتسع فبدأت بالتالي درجة الحرارة تنخفض، إلى الحد الذي تستطيع فيه البروتونات الاتحاد مع الإلكترونات مكونة ذرات الهيدروجين. بعدما تكونت الذرات أصبح الكون يفقد ظلامه فانتشرت الفوتونات في جميع الأنحاء، وهذه الفوتونات هي التي تشكل اليوم إشعاع الخلفية المكرويي الكوني، وانخفضت درجة حرارتها عبر العمر المقدر فلكيا للكون أي حوالي 14 مليار سنة إلى أن وصلت إلى درجة الحرارة الخلفية في الوقت الحالي والتي يصل متوسطها إلى 7 ,2 كلفن في جميع أنحاء السماء. قال الله تبارك وتعالى: “ثم اَستوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللاَرض ايتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين” [فصلت، 10].
يقول العلماء أن خريطة الكون التي رصدها القمر الصناعي بلانك تقر نظرية الانفجار الكبير وتقدم تدقيقا في ما يخص معلومات حول تركيب الكون المادي؛ إذ بعدما كانت تقدر مادة الكون بـ 4,5% والمادة السوداء 22,7% والطاقة السوداء 72,8% أصبحت مادة الكون تقدر بحوالي %4,9 والمادة السوداء 26,8% والطاقة السوداء 68,3% كما يقدر العلماء سرعة التوسع الكوني بـ 67 Km/s عوض Km/s72.
يترقب علماء الفيزياء الفلكية استخلاص معلومات أخرى من هذه الخريطة حول الكون في عمره الأولي أي ما بين 10-38 و 10-30 ثانية بعد الانفجار الكبير، فقد طرحت نظرية التضخم الكوني l’inflation التي تتوقع حدوث تضخم أسي في البداية ثم تباطأ تدريجيا ليصل إلى مرحلة الاستقرار. فهذه النظرية تجيب نسبيا على عدة أسئلة مازالت تحير عقول العلماء، فكيف يكون هذا الكون الضخم بهذا التجانس الخارق؟ وكيف نفسر التشابه المثير بين مناطق متباعدة مع أنها لم تكن مجتمعة من قبل؟ وكيف وقع حدث الفتق العظيم؟
المراجع:
1. محمد باسل الطائي، صيرورة الكون مدارج العلم ومعارج الإيمان، عالم المكتب الحديث، 2010.
2. Mathieu Grousson, Mathilde Fontez, Ainsi était l’univers à l’origine ! Science et vie, Mai, 2013.
أرسل تعليق