الإسلام يعمل على المساواة الاجتماعية
في الوقت الذي أعلن النبي صلى الله عليه وسلم دعوته في مكة، كان المجتمع العربي يدين بمبدأ السلالات الممتازة وأفضلية سلالة على أخرى، وكانت طبقة العبيد إذ ذاك هي الطبقة المنحطة التي لا حق لها في أن تعيش إلا كما يشاء لها أسيادها، وكانت طبقة الفقراء والضعفاء معدودة من الطبقات التي يجب أن تكون مسيرة ولا حظ لها في الحياة الكريمة.
وهكذا كانت تزخر مدينة مكة بالعديد من الطبقات يتعالى بعضها على بعض، ويسخر بعضها من البعض، ولم تكن المجتمعات الأخرى بمعزل عن هذا الواقع الذي كان يطبع الحياة العربية فالبلاد الفارسية إذ ذاك كانت رغم تقدمها في الحضارة والعمران خاضعة لهذا النظام الذي يجعل من الإنسانية الواحدة عدة طبقات، ولم تكن دولة بيزنطية ببعيدة عن هذا الاتجاه الذي كان يغمر العالم آنذاك.
وقد كان للمال الشأن الأكبر في تقديم الحقائق واختيارها.. وهو القوة الكبرى، وهو الشرف الأصيل، وهو الوسيلة للحظوة لدى رب العالمين كما يحكي الله عنهم في كتابه في جوابهم للمنذرين “وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين” [سبأ، 35] ففي هذا الوسط المتعفن المتغطرس جهر النبي عليه السلام بدعوته التي من أول مبادئها إنكار الفروق المصطنعة بين البشر.. واعتبرت أن الشرف الحقيقي الذي يجب أن يفتخر به كل واحد هو عمله فبه وحده تعرف درجة الإنسان في سلم الرقي النفساني، وهو وحده الحقيقي عما يضمر الإنسان في داخل نفسه من مزايا أو مساوئ، ولذلك حض على عمل الخير وخاصة ما كان نفعه عاما يتعدى إلى ما هو في حاجة إليه، وهكذا رفعت التعاليم الإسلامية قيمة التضحية بالمصلحة الفردية في سبيل تحقيق المصالح العامة، وجعلت ذلك هو الميزان الذي يجب أن يوزن به كل إنسان اقرأ قوله تعالى: ” وَأَنْ لَيْسَ لِلاِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى” [النجم، 38]، وقوله عز وجل: “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُومِنُونَ” [التوبة، 105]، وقوله عز وجل : “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَر اَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُومِن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاة طَيِّبَة” [النحل، 97].
وقد سَرت هذه التعاليم في المسلمين سريان الدم في العروق، وتحطمت تلك السدود التي كانت تحول دون المساواة الاجتماعية، وأصبح العبد الأسود ذا مركز كبير في المجتمع الإسلامي إذ كان يتحلى بصفات الخير التي يعتبرها الإسلام مقياسا للتحضير والتمدن فبلال ابن أبي رباح رضي الله عنه كان ذا قيمة كبرى، ومركز ممتاز في الوسط الإسلامي لما تنطبع به نفسه من سمو وكمال ولم يصل إلى مركزه كثير من أشراف قريش وأغنيائهم، وهذا هو الذي قَصْدُ الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أمره بالصعود إلى ظهر الكعبة يوم فتح مكة والجهر بالأذان، وكان جيش المسلمين يتوفر على كثير من المؤذنين دوى الشرف الأصيل، ومع ذلك لم يقع اختيار الرسول إلا على بلال، وذلك ليحطم صخرة الميز العنصري في نفوس المؤمنين والمشركين على السواء..
فالديمقراطية الإسلامية الاجتماعية ديمقراطية مثالية أعلن عنها الإسلام في عصور سحيقة لم يستطع جمهور الناس استساغتها وقتئذ، وتدرج الإنسان في سلم الرقي الاجتماعي ولم يصل بعد إلى المستوى الذي وصل إليه الإسلام..
عن كتاب دعوة الحق، للأستاذ عبد العزيز بن إدريس الطبعة الأولى، يونيو 1966 ص: 27-31 – بتصرف
أرسل تعليق