الأسوة آلية فعالة من آليات التخليق.. (10)
تعد المقاومة التزكوية أوسع وأشمل ضروب المقاومة؛ ذلك أن من أهم ما يقاوم به الإنسان نفسه، هو -بحسب تعبير الباحث الأخلاقي الدكتور طه عبد الرحمن-: “مقاومة التسيّد“، وتزكية النفس هي المقاومة المطلوبة، قال تعالى: “أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم” [الجاثية، 22]، وقال تعالى: “ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد اَفلح من زكاها وقد خاب من دساها” [الشمس، 9-10]. وأمام طلب الرياسة والاستكبار المحلي والعولمي، يُراد لنفس الإنسان -أو تريد هي- أن تنسحق فتقاوم، وهذه المقاومة ليست عبثية ولكن لها مناهجها ووسائلها.
فكما تكون المقاومة بالسلطان “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن“[1]، تكون كذلك بالبرهان (وهو طلب الحجة والدليل)، وتكون بالوجدان (وهو القدرة على قول كلمة “لا” التي تعد مفتاح المقاومة).
وفي نفس السياق فالذين بحثوا في أصول الأخلاق ربطوا قضية (المقاومة التزكوية) بالحياء والإيمان، فحياؤك من الله ومن الناس يجعلك تُلجم نفسك وتلزمها، والإيمان يجعلك لا تحتاج إلى البرهان، فهذه هي عناصر المقاومة التزكوية لأضرب “التسيد”.
وبما أن الإنسان محتاج إلى التعايش بين أفراد مجتمعه، فقد نشأت فيه بعض تمظهرات الانسحاق لنزعة التسيد المتفشية في مجتمعنا من: رشوة، وإدمان، وعنف، وتبعية، وتبذير المال العام، والتسلط، وأكل أموال الناس بالباطل.. الخ؛ وهي ظواهر تشكل جملة بثور على جلدنا الجماعي تستوجب العلاج الاستئصالي بالعودة إلى الأصول ورد الأمور إلى نصابها، والإبصار بإثمد البحث العلمي، كيفما يكون العلاج ناجعا، ونتمكن من النظر الاقتراحي والاستشرافي..
يتبع في العدد المقبل..
——————————————-
1. ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 2/9.
أرسل تعليق