الأسماء.. طريق المعرفة
يقول الله عز وجل تقدست أسماؤه: “اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي” [طه، 8-14] وقال جل شأنه: “وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَىأَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي” [طه، 37-41].
كلما قرأت هذه الآيات البينات البليغات، سألت نفسي هل نحن نعرف الله تبارك وتعالى على النحو الذي طلب إلينا أن نعرفه به؟ وهل وعينا هذا الأمر العظيم الذي هو أول التكاليف وأجل الفرائض كما قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني: “أول واجب النظر معرفة الله تعالى”. ومن أعظم موارد هذه المعرفة، وأقرب الطرق الموصلة إليها فقه الأسماء والتحقق من معانيها وإدراك مدلولاتها وأسرارها.
“اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الاَسْمَاءُ الْحُسْنَى” “إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي” وقال النبي صلى الله عليه وسلم “أفضل الذكر لاإله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات” قال المحققون من علمائنا رحمهم الله “ينبغي لأهل لاإله إلاالله حتى يكونوا من أهل لا إله إلا الله حقا: التصديق والتعظيم والحلاوة والحرية، فمن ليس له التصديق فهو منافق، ومن ليس له التعظيم (أي متابعة أمره) فهو مبتدع، ومن ليس له حلاوة التوحيد فهو مراء، ومن ليس له الحرية يعني -الحرية من نزوات نفسه وشهوات حسه- فهو فاجر“.
وكمال التوحيد أيها الأفاضل هو الحرية كما قال ذو النون المصري “ألا تملك شيئا وألا يملك شيء” بمعنى ألا ترى نفسا مالكا لشيء… وهذه هي الحقيقة الكبرى التي لا مراء فيها وإن ألقى الإنسان معاذيره هروبا وتغافلا عنها “وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ” [الاَنعام، 94]. ولذلك يعزي بعضنا بعضا عند مصيبة الموت “إنالله” بمعنىنحن ملك لله، لا نملك حياتنا ولا آجالنا ولا آباءنا ولا أولادنا ولا مصيرنا…لا نملك شيئا على الحقيقة، وإنما نحن مستخلفون في هذه الدار إلى حين.
وفي سياق بيان هذه الحقيقة الكبرى قرربعض العلماءفي تفسير كثير من الآيات نحو قوله تعالى: “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً” [إبراهيم، 24] إنها لا إله إلا الله “إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ” [فاطر، 10] هو لاإله إلا الله “قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ” هي لاإله إلا الله، وأنهم مسئولون عن لاإله إلا الله “يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الاَخِرَةِ” [إبراهيم، 27].هو لاإله إلا الله “وقال: “فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ” [ص، 80] أصحاب لا إله إلا الله”.
ويروى عن موسى عليه السلام قال يارب علمني شيئا أذكرك به قال: قل لاإله إلا الله قال كل عبادك يقولون لاإله إلا الله فقال: قل لاإله إلا الله فقال يارب إنما أردت شيئا تخصني به فقال رب العزة يا موسى لو أن السموات السبع ومن فيهن في كفة ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن لاإله إلا الله“.
والأمور التي ينتسب إليها الناس قسمان:
قسم معرض للزوال؛
وقسمثابت لا يتعرض لزوال؛
فأما الأول؛ فلا فائدة فيه ولا طائل من ورائه، كالمال والجمال والصحة والحسب، وأما الذي لا يعرض للزوال فانتسابك إلى عبادة الله تعالى وتوحيده، فهذه النسبة لا تقبل الزوال لأن المنتسب إليه وهو الله جل جلاله لا يفنى “كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ” [الرحمان، 26-27] فلأن يعتز المرء بهذا الانتساب ويشتغل بذكر الله وكمال صفاته كان خير له ولذلك قال جل شأنه”وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا” [الاَعراف، 181] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة” وفي رواية من حفظها، والحفظ أو الإحصاء هنا بمعنى فهم معانيها وإدراك مدلولاتهاوخصوصياتها بالنسبة إلى الباري جل وعلا. فمن أعظم موارد معرفة الله تعالى معرفة كمالات أسمائه وصفاته..
والمعنى الثاني للإحصاء والحفظ هو التوسل والدعاء بها على أساس تلكم المعرفة والشهود والفهم وليس حسن الأسماء لأنها ألفاظ وأصوات بل لحسن معانيها ولا معنى للحسن في حق الله تعالى إلا ذكر صفات الكمال ونعوت الجلال وهي محصورة في كليين جامعين:عدم افتقاره إلى غيره وهو معنى “قل هو الله أحد”،وافتقارغيره إليه وهو معنى “الله الصمد”.
يروى أن حكيما ذهب إليه قبيح وحسن، والتمسا الوصية منه، فقال للحسن: أنت حسَن الوجه ولا يليق به الفعل القبيح، وقال للآخر: القبيحُ إذا فعل القبيح ازداد قُبحه.
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ: “يَا رَبِّ، أَيُّ خَلْقِكَ أَكْرَمُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: الَّذِي لا يَزَالُ لِسَانُهُ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِي، قَالَ: يَا رَبِّ، أَيُّ خَلْقِكَ أَعْلَمُ؟ قَالَ: الَّذِي يَلْتَمِسُ إِلَى عِلْمِهِ عِلْمَ غَيْرِهِ، قَالَ: يَا رَبِّ، فَأَيُّ خَلْقِكَ أَعْدَلُ؟ قَالَ: الَّذِي يَقْضِي عَلَى نَفْسِهِ كَمَا يَقْضِي عَلَى النَّاسِ، قَالَ: يَا رَبِّ، فَأَيُّ خَلْقِكَ أَعْظَمُ ذَنْبًا؟ قَالَ: الَّذِي يَتَّهِمُنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، وَهَلْ يَتَّهِمُكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: الَّذِي يَسْتَخِيرُنِي، ثُمَّ لا يَرْضَى بِقَضَائِي“.
ورأى بشر الحافي كاغداً مكتوبا فيه بسم الله الرحمن الرحيم فرفعه وطيبه بالمسك فرأى في النوم قائلا يقول يا بشر طيبت اسمنا فنحن نطيب اسمك في الدنيا والآخرة.
اللهم إنا نسألك ونتوسل إليك بأسمائك الحسنى كلها ما علمنا منها وما لانعلم ونسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيمربيع قلوبنا ونور أبصارنا وجلاء أحزاننا وذهاب همنا وغمنا، اللهم أنزل السكينة في قلوبنا وأيدنا بنصرك يا ذا الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين.
أرسل تعليق