..الأثر الصوفي في مجال الحديث
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
الزاوية الفاسية
2. الشيخ عبد الرحمن الفاسي (تـ1036هـ)
هو أبو زيد عبد الرحمن بن محمد الفاسي، أخو الشيخ أبي المحاسن يوسف الفاسي، ولد بالقصر الكبير في محرم سنة 972هـ، وتوفي رحمه الله في آخر ليلة الأربعاء السابع والعشرين من ربيع الأول سنة 1036هـ، علم الأعلام ومحيي العلوم، في هذه الأقطار، أجمع الناس على إمامته وتقدمه في ميدان العلوم، وبخاصة علمي التفسير والحديث، حيث بلغ فيها الشأو الذي لا يدرك، وانطلقت الألسن بالثناء عليه، وعلى زاويتهم بفاس التي ذاع صيتها في الآفاق، وارتمى في أحضانها الخاص والعام.
فقد قال فيه الشيخ أحمد بن علي السوسي في بذل المناصحة: “سيدي العلامة الصالح الفهامة عبد الرحمن بن محمد الفاسي كان دراكا في المعقول والمنقول، أميرا في فهم الكتاب والسنة في وقته، كان يفتح مشكلات المسائل، ويوضح سمات الفضائل، ولم يخلفه إلى الآن مثله ممن اضطلع بأعباء تلك المهمات، ولا من تعرض لتبيين تلك المشكلات”[1].
وقال عنه صاحب مرآة المحاسن: “كان أبو محمد رضي الله عنه إماما عالما، متبحرا نظارا، جامعا لأدوات الاجتهاد، مائلا إليه، محققا في جميع العلوم، عارفا بالنحو واللغة، والفقه والأصول، والكلام والمنطق والبيان.. وغير ذلك. إماما في جميع ذلك، متوسعا في الأصلين، لا يدرك فيهما شأوه، جيد الفهم، مصيب السهم، شهد له بذلك شيوخه، واعترف له به أهل عصره”[2].
وحلاه الحضيكي بـ”شيخ الإسلام، شيخ المشايخ، وملحق الأحفاد بالأجداد، العارف الكبير، عالم العلماء وصالح الأولياء، الجامع بين الشريعة والحقيقة وعلمي الظاهر والباطن، ذو الفتوحات العديدة وتآليف مفيدة”[3].
وكانت له مجالس حافلة بالعلماء والطلاب، يدرس التفسير والحديث، على شاكلة العلماء المتقدمين، حيث يعتمد على أمهات الكتب، ويستحضر الآيات وما قيل فيها من التفاسير، ويحل مشكلها ويبين ما فيها من المعاني الذوقية والإشارات الإلهية، وأما الأحاديث فإنه يستحضر الروايات وأقوال المحققين من العلماء، فقد أوتي ملكة الاجتهاد، يغوص في المعاني، ومخبآت الدلالات فيحررها تحريرا، مع التصحيح والتضعيف والمعارضة، وكان يقول رحمه الله: “لا أحتاج في قراءة البخاري ومسلم والموطأ إلى مطالعة شيء سوى المشارق لعياض، وأما ما يتعلق بمعنى الحديث فلا أحتاج فيه لأحد”[4].
ويقول عنه صاحب مرآة المحاسن: “وأما معاني القرآن والحديث والتصوف المؤيد بالكتاب والسنة، فلا يجارى في شيء من ذلك، يورده استحضارا، مستحضرا لحديث الصحيحين وأكثر مشارق القاضي عياض، وما عورض به بين الآيات أو بين الأحاديث وما قيل في ذلك، وما أجيب به، ويُصحح ويضعف ويزيف”[5].
ومن مؤلفاته رحمه الله:
• حاشية على صحيح البخاري سماها: “تشنيف المسامع ببعض فرائد الجامع” وهي مطبوعة على الحجر بفاس في 5 أجزاء.
• حاشية على الجلالين.
• حاشية على صغرى السنوسي، طبعت على الحجر بفاس سنة 1308هـ/1830م.
• حاشية على دلائل الخيرات، سماها: “الأنوار اللمعات في الكلام على دلائل الخيرات” طبع على الحجر بفاس، سنة 1321هـ/1903م.
يتبع في العدد المقبل..
—————————————–
1. نشر المثاني، 3/1273.
2. مرآة المحاسن، 310.
3. طبقات الحضيكي، 2/406.
4. طبقات الحضيكي، 2/407.
5. مرآة المحاسن، 310.
أرسل تعليق